[تفسير قوله تعالى: (والذين سعوا في آياتنا معاجزين)]
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} [سبأ:٥].
{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} وهؤلاء عكس المؤمنين، فهم أعرضوا عن ربهم سبحانه، وجحدوا دينه، وكذبوا رسل الله عليهم الصلاة والسلام.
وآيات الله سبحانه تبارك وتعالى أي: معجزات الله سبحانه، والآيات التي يريهم في الكون لا يقدر إنسان على أن يأتي بآية من هذه الآيات، قال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:١٧ - ٢٠] هذه آيات من آيات الله سبحانه.
ويأتي القرآن وهو الآية العظمى من الله سبحانه تبارك وتعالى، لنريك آيات الله عز وجل أكبر الآيات: الآية الكبرى آية رب العالمين، هذا القرآن الكريم.
فهؤلاء الكفار يسعون في آيات الله معاجزين، ومعجزين، المعاجز والمعجز: الذي يريد أن يعجز خصمه، يريد أن يعجزه ويعجّزه، فالكفار يظنون أن الله لا يقدر عليهم، ويقولون: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون:٨٢].
ويأتي أبي بن خلف الجمحي للنبي صلى الله عليه وسلم بقحف رأس ويفتته بيده ويقول: تزعم أن إلهك يبعث هذا؟! فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم، ويدخلك النار) الله عز وجل يبعث هذا مرة ثانية ليجزيه، ويدخل هذا الكافر النار.
فالغرض أن ربنا سبحانه يخبر عن الكفار وأنهم يسعون، يعني: يحاولون جاهدين إبطال آيات الله عز وجل، ويحاولون التشكيك في آيات الله سبحانه تبارك وتعالى، وهم بذلك معاجزين يعني: يظن الكافر أنه يعجز ربه، وأنه يفلت من الله سبحانه تبارك وتعالى.
قال: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} [سبأ:٥] ومحاولين أن يشككوا الناس في دين الله سبحانه تبارك وتعالى، ظانين أنهم يفلتون من الله سبحانه.
(مُعَاجِزِينَ) هذه قراءة الجمهور، وقراءة ابن كثير وأبي عمرو: (معجزين) يعني: في ظنهم، فيظنون أنهم يعجزون ربهم ويعجزونه، فيهربون في الأرض، ولا يقدر أن يبعثهم مرة ثانية! (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا) مريدين إبطالها، معجزين ومعاجزين، {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} [سبأ:٥] أولئك لهم عذاب من عند الله سبحانه، عذاب عظيم وعقوبة من الله سبحانه تبارك وتعالى لهؤلاء.
((مِنْ رِجْزٍ)) الرجز هو: أشد العذاب، فلهم عذاب من الرجز، وهذا العذاب عذاب أليم أيضاً.
ووردت قراءتان لكلمة أليم: (أَلِيمٌ) و (أليمٍ)، (أَلِيمٌ) قراءة ابن كثير وحفص عن عاصم ويعقوب، وهي وصف للعذاب، وكأنه يقول: أولئك لهم عذاب أليمٌ، فصفة العذاب أنه أليم.
وباقي القراء يقرءونها (أليمٍ) وهذا يكون عند الوصل، عندما يصل القارئ الآية بالآية التالية، إما أن يرفع على قراءة ابن كثير وحفص عن عاصم وقراءة يعقوب، أو يجر على قراءة باقي القراء.
وكأن على قراءة الجر أن الرجز أليم، إذاً هذا وصف للرجز للذي هو أشد العذاب عند الله سبحانه تبارك وتعالى، وهو مؤلم، فهي صفة للرجز أنه مؤلم، بل غاية في الألم لهؤلاء الذين يعذبون به، نسأل الله العفو والعافية.
إذاً هؤلاء يريدون التعجيز، ويثبطون الناس عند دين الله سبحانه، ويبعدونهم عن دين الإسلام، ويعاجزون ظناً منهم أنهم يفلتون من الله سبحانه تبارك وتعالى.