[تكون الجنين من ماء الرجل وماء المرأة]
وهناك ماء للرجل وماء للمرأة، أي: أن النطفة من الرجل والبويضة من المرأة يتكون منها الإنسان، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يوضح لنا شيئاً من ذلك، فيذهل الإنسان حين يعرف ذلك.
ولو حدث في الماضي أن امرأة أسقطت وأنزلت مضغة، وأنزلت قطعة من اللحم، فإنهم لا يعرفون ما هي قطعة اللحم هذه، والنبي صلى الله عليه وسلم يذكر أن فيها تخليقاً، والملك صورها في هذا الوقت، والعلم يصدق ما قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه.
روى الإمام مسلم من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد! -صلوات الله وسلامه عليه- قال ثوبان: فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي) عليه الصلاة والسلام.
فاليهودي جاء ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أو يختبره، فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب: إن اسمي محمد، وإن كان ربنا سبحانه وتعالى جعل للنبي صلى الله عليه وسلم منزلة عظيمة قال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:٦٣].
فأدب المؤمنين ألا ينادوا النبي صلى الله عليه وسلم باسمه: يا محمد، ولكن يقولون: يا رسول الله! أو: يا نبي الله! صلوات الله وسلامه عليه، أما أن تناديه باسمه فهذا لا ينبغي؛ ولذلك ثوبان دفع اليهودي حين فعل ذلك.
فقال اليهودي للنبي صلى الله عليه وسلم: (جئت أسألك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أينفعك شيء إن حدثتك؟ -يعني: أنت لست مؤمناً بي أصلاً، فهل ستنتفع بما سأقوله لك؟ - فقال: أسمع بأذني، فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه، فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟) يعني: الله يقول في القرآن: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إبراهيم:٤٨] فأين سيذهب الناس حين تبدل هذه الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم في الظلمة دون الجسر)، فالله عز وجل يجعل العباد في مكان آخر، ويغير هذه الأرض أرضاً أخرى، ويجعلهم عليها بعد ذلك.
قال اليهودي: (فمن أول الناس إجازة؟ -يعني: من أول الناس سيمرون على هذا الجسر؟ - قال النبي صلى الله عليه وسلم: فقراء المهاجرين، قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد الحوت.
قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها.
قال: فما شرابهم عليها؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً.
قال: صدقت)، أي: أنا جئت أسأل عن هذه الأشياء فكل الذي تقوله هذا صحيح.
ثم قال: (وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان قال: أينفعك إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني، جئت أسألك عن الولد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله، قال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي)، وانصرف اليهودي، ولم يقل: لا إله إلا الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به)، فهنا رد العلم إلى عالمه إلى الله سبحانه وتعالى، وفوق كل ذي علم عليم، فالله هو الذي علمني ذلك سبحانه فأجبته وما كنت أعرف هذا قبل ذلك.
والشاهد من هذا الحديث: أن اليهودي يسأل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف يأتي الولد؟ كيف يكون ذكراً وكيف يكون أنثى؟ فقال: (ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر)، وماء الرجل هو المني، وماء المرأة هي البويضة، والعلماء حتى عصر قريب جداً ما كانوا يعرفون حقيقة ماء المرأة، فكانوا يقولون: الرجل له ماء، والمرأة ليس لها ماء.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به وجهله هؤلاء إلى سنين قليلة ماضية، والآن يذكرون: أن المرأة يفرز منها ماء أصفر يكون مع المني، فقالوا: لقد تضمن حديث النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً لماء الرجل وماء المرأة، فإن ماء المهبل يميل إلى الصفرة، وكذلك الماء الذي في حويصلة (جراف) يخرج منها هذا الماء.
وعند خروج البويضة من حويصلة (جراف) يكون الماء أصفر، فتسمى بالجسم الأصفر، وهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أن ماء المرأة أصفر، وهذا من الإعجاز.
ويقول العلماء: إفرازات المبيض في المرأة حمضية، وتقتل الحيوانات المنوية، لكن إفرازات عنق الرحم في المرأة قلوية، فالمني حين يدخل على إفرازات عنق الرحم فمن الممكن لهذا الحيوان المنوي أن يعيش، ولو دخل مباشرة على البويضة لهلك ولم يعش، فيذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا علا ماء الرجل ماء المرأة يكون ذكراً بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى بإذن الله، وصدق النبي صلوات الله وسلامه عليه ولم يعرف هذه الأشياء أكابر علماء الطب حتى اكتشفوا قريباً أن المرأة لها ماء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من سنين.
وقد ذكر الشيخ الزنداني حفظه الله أنه ناقش بعض علماء الطب من المسلمين أن الحديث يذكر ماء المرأة، فسألهم: هل للمرأة ماء؟ فقالوا: لا، هذا الجواب من قبل علماء الطب المسلمين المتخصصين في النساء والولادة والمختصين في ذلك، فقال: إنه جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة لها ماء، فقال أحدهم: دعني أبحث، ورجع لمراجع حديثة ورجع للشيخ يقول له: وجدنا فعلاً أن المرأة لها ماء، والمراجع الحديثة تقول هذا الشيء، فسبحان الله العظيم! لقد كان يخفى على علماء من علماء الطب هذا حتى عصرنا الحالي، حتى قال الأجانب هذا الشيء واكتشفوه وصدقوا ما يقوله النبي صلوات الله وسلامه عليه عن ذلك، وعرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى.