[صنفان من أهل النار]
إن التبرج شيء نهى الله عز وجل عنه، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه أشد النهي، ففي الصحيح عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس) أي: ما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا في عهده عليه الصلاة والسلام.
الصنف الأول: هم الشُّرَط، وقوله: (قوم معهم سياط كأذناب البقر) أي: معهم كرابيج وسياط يضربون بها الناس، ويعذبوهم بها.
والصنف الثاني: (ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)، فمن الكبائر التي تقع فيها المرأة هو تبرجها وإظهار زينتها، وتعريها للناس، فهذه من أشد النسا عذاباً يوم القيامة.
يقول الإمام القرطبي: قال ابن العربي: إنما جعلهن كاسيات؛ لأن الثياب عليهن، وإنما وصفهن بأنهن عاريات؛ لأن الثوب إذا رق يصفهن.
أي: أنهن يلبسن الثوب الرقيق، وفي الزمان الماضي لم يكونوا يعرفون البنطلونات ولا الثياب المحزقة ولا الشفافة، وإنما الذي يعرفونه هو أن المرأة إما أن تلبس جلابية ثقيلة أو خفيفة، والجلابية الخفيفة هي التي يتحدث عنها ابن العربي، فتكون رقيقة تصف المرأة إذا لبستها، ولو عاش ابن العربي إلى هذا الزمان لذهل مما يراه بين الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول الإمام القرطبي: هذا أحد التأويلين.
التأويل الثاني: أنهن كاسيات من الثياب عاريات من لباس التقوى، أي: أنها لابسة للثوب وليس عندها تقوى، فالذي كان في زمنهم هو أن المرأة إذا خرجت عارية تكون مكشوفة وليست كاسية عارية، ففسروا الكاسية العارية بأنها كاسية بالثوب عارية من التقوى، ويستشهد له بقول الشاعر: إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسيا وخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا كما يحتج له بما في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منهم ما يبلغ الثدي ومنهم ما يبلغ دون ذلك، ومر عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: ماذا أولت ذلك؟ -أي: الثوب- قال: الدين)، فكأن القرطبي رحمه الله يقول: إن هؤلاء النساء كاسيات من الثياب عاريات من الدين، وهذا الذي يمكن أن يفهم في الزمان الماضي.
يقول القرطبي: هذا التأويل أصح التأويلين، وهو اللائق بهن في هذه الأزمان، وخاصة الشباب، فإنهن يتزين ويخرجن متبرجات، فهن كاسيات بالثياب عاريات من التقوى حقيقة ظاهراً وباطناً، حيث تبدي زينتها، ولا تبالي بمن ينظر إليها، بل ذلك مقصودهن، وذلك مشاهد في الوجود منهن، فلو كان عندهن شيء من التقوى لما فعلن ذلك، ولم يعلم أحد ما هنالك، هذا كلام القرطبي رحمه الله.
يقول: مما يقوي هذا التأويل: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهن في باقي الحديث: (رءوسهن كأسنمة البخت المائلة) أي: أن المرأة منهن تلبس طُرحة بعد أن لفت شعرها وجعلته بارزاً يظهر من تحت الخمار، ومنه ما يسمى في زماننا بالكعكة.
وما ذكر في الحديث موجود في هذه الأيام، فالمرأة تمشي متبرجة، وفوق رأسها لفات كبيرة من الشعر، وتذهب إلى الكوافير؛ حتى تتزين للناس، وتمشي كاسية تلبس ثياباً رقيقة، وتبدي ما تحتها، بل تكشف صدرها، ويدها، ورجلها، وفخذها، وتلبس البنطال الضيق الذي يرى منه كل جسمها، فمن فعلت ذلك فهي من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وهي من الملعونات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العنوهن إنهن ملعونات)، وهذا على العموم، ولا يخص واحدة دون أخرى.
فكل من فعلت ذلك فهي منحرفة بعيدة عن دين الله سبحانه، وعن شرع رب العالمين بتبرجها، وداعية إلى الفتنة والفحش ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رءوسهن كأسنمة البخت) البخت: نوع من أنواع الجمال، عظام الأجسام، ضخام الأسنمة، فقوله: (رءوسهن كأسنمة البخت المائلة) أي: أنهن يقمن بلف شعورهن وجمعها في مكان فوق الرأس، ومن يرى ذلك يعلم أن الشعر قد لف بطريقة معينة تلفت الأنظار.
وقوله: (لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) يعني: الذي لم يدخل الجنة قد يشم رائحتها من مسيرة مئات السنين، وهذه لن تدخل الجنة ولن تشم رائحتها.