[ما وجب عليه من العبادات دون أمته]
فذكر العلماء أشياء في بعضها خلاف، من ذلك: أن الله عز وجل فرض عليه صلى الله عليه وسلم التهجد بالليل، ثم خفف الله عز وجل عنه فلم يخفف هو عن نفسه عليه الصلاة والسلام، واستمر في ذلك وقال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) صلوات الله وسلامه عليه، فكان قيام الليل فريضة عليه صلى الله عليه وسلم، ثم خفف الله عز وجل عنه، واستمر هو صلى الله عليه وسلم ولم يخفف على نفسه، وكان يقوم حتى تتورم قدماه عليه الصلاة والسلام، وقد يرجع وينام ثم يقوم مرة أخرى ويصلي، ثم يرجع وينام، ثم يقوم ثالثة ويصلي عليه الصلاة والسلام فتذكر السيدة عائشة رضي الله عنها أنه: (كان يصلي إحدى عشرة ركعة من الليل، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن) صلاة طويلة حسنة جميلة يقومها صلى الله عليه وسلم! كان إذا قرب الصباح يقوم يغمز نساءه بيده صلى الله عليه وسلم فتقوم هي تصلي أيضاً وتوتر، لكن لا يأمرها أن تقوم الليل كله مثلما يقوم هو صلى الله عليه وسلم.
وكان يحتاج أن يستريح قبل الفجر، فكان يصلي سنة الفجر ثم يضطجع عليه الصلاة والسلام، ففي الفترة ما بين سنة الفجر حتى تقام الصلاة إن كان بعض نسائه قائمة يكلمها وإلا اضطجع على جنبه فيستريح قليلاً من القيام، ثم يقوم ويصلي بالناس الفجر صلوات الله وسلامه عليه.
فكان قيام الليل فرضاً عليه بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:١ - ٢] فكان الفرض بها.
أيضاً مما ذكروا أنه فرض عليه صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى، وصلاة الضحى ليست فريضة على الناس، والظاهر أنها كانت فرضاً عليه لفترة، ثم بعد ذلك أصبحت نافلة له ولغيره عليه الصلاة والسلام، ولكنه واظب على صلاة الضحى عليه الصلاة والسلام، وأحياناً كان يتركها ليبين للناس أنها ليست فريضة.
كذلك ذكروا من الأشياء التي فرضت عليه الأضحية، فضحى صلى الله عليه وسلم عن نفسه فذبح كبشاً وقال: (اللهم هذا عن محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم) ورفع الحرج عن أمته عليه الصلاة والسلام بكرمه صلى الله عليه وسلم فذبح كبشاً آخر وقال: (وهذا عمن لم يضح من أمتي) فرفع الحرج عن الأمة في أمر الأضحية الواجبة، وصارت الأضحية على الناس سنة.
كذلك مما كان فرضاً عليه أن يصلي الوتر، وهذا داخل في التهجد؛ لأنه كان فريضة في وقت من الأوقات، ثم بعد ذلك صار الوتر نافلة له ولغيره، وواظب هو عليه صلوات الله وسلامه عليه.
وأيضاً: مما أمر به السواك، فكان يستاك صلى الله عليه وسلم كثيراً حتى يقول عن نفسه: (حتى خشيت أن أدرد) يعني: من كثرة استخدام السواك خشي على أسنانه أن تدرد، وهذا معلوم فإن الإنسان عندما يستخدم الفرشاة على أسنانه بطريقة قاسية جداً بشكل دائم تذهب وتتساقط في النهاية.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستخدم السواك بشكل دائم، كان يأمره جبريل بذلك صلى الله عليه وسلم، فأول ما يقوم من النوم يستخدم السواك، وكان إذا دخل بيته أول شيء يستخدمه السواك، وإذا توضأ استخدم السواك، وإذا دخل في الصلاة يستخدم السواك، فكان فمه أطهر وأطيب فم صلوات الله وسلامه عليه، فكان يستخدم السواك ويقول: (إني أناجي من لا تناجون) يعني: أنا أكلم الملائكة والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فكان يشدد عليه في ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
من ذلك أيضاً قضاء دين من مات معسراً، لما فتح الله عز وجل عليه الفتوح فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك كلاً أو ديناً فإلي وعلي) فكان كأنه فريضة عليه صلى الله عليه وسلم أو هو اختار أن يقضي ديون من مات وعليه دين بعدما فتح الله عز وجل عليه، وإن كان قبل ذلك لا يصلي على من مات وعليه دين، فلما فتح له صلى الله عليه وسلم كان يقضي دين الميت من عنده ويصلي عليه.
من ذلك أيضاً أنه فرض عليه صلى الله عليه وسلم أن يشاور في غير الأحكام الشرعية، فالأحكام الشرعية لا مشاورة لأحد فيها، إنما هي أحكام من عند الله عز وجل يأمر بها فينفذها النبي صلى الله عليه وسلم، لكن في غير ذلك من أمر القتال والجهاد في سبيل الله عز وجل، والسفر ونحو ذلك، كان يشاور كما قال له ربه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:١٥٩].
كذلك من خصوصياته عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا عمل عملاً أثبته، فمرة من المرات ترك سنة الظهر القبلية حيث جاء له وفد من الوفود، فجلس يكلمهم ففاتته سنة الظهر ولم يصلها بعد الظهر حتى دخل وقت العصر، فلما صلى العصر قام وصلى ركعتين، فأرسلت أم سلمة إليه تسأله صلى الله عليه وسلم: ألم تنه عن ذلك؟ فأشار إليها وبعد أن أكمل الصلاة بين لها أنه جاءه وفد فشغله عن هاتين الركعتين، فصلاها بعد العصر ثم أثبتها، إذاً: كل يوم يصلي هاتين الركعتين، فهذا خاص له صلى الله عليه وسلم أنه إذا عمل عملاً أثبت هذا العمل وواظب عليه صلوات الله وسلامه عليه.
أيضاً من ذلك: تخيير نسائه: {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} [الأحزاب:٢٨] على ما سبق في ذلك.
إذاً: هنا هذه من الأشياء التي فرض على النبي صلى الله عليه وسلم بعضها والبعض الآخر هو اختاره وأثبته وواظب عليه فكان له خاصة عليه الصلاة والسلام.