للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة فصلت: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت:٩ - ١٢].

يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات عن قدرته العظيمة الباهرة، وعن خلقه المتقن العظيم الصنع في خلقه للسموات وللأراضين، وما جعل فيها من دواب ومن جبال راسيات، وما قدر فيها من أقوات وأرزاق للعباد وغير ذلك فيقول: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت:٩].

فبين سبحانه أنه خلق الأرض في يومين، ثم خلق السموات في يومين، ثم جعل في الأرض رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في يومين، فصار خلق الأرض وتقديرها في أربعة أيام، وخلق السماوات في يومين، وهنا مزيد اعتناء بهذه الأرض، التي يكون عليها هذا الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى.

وخلق الله آدم على نبينا وعليه الصلاة السلام، في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة، وجعل لآدم هذه الأرض سكناً ومتاعاً إلى حين، وخلق السموات العلى، وجعل ما فيها من زينة وما فيها من خلق في يومين اثنين، وهي أعظم بكثير من هذه الأرض، قال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} [النازعات:٢٧] فهذه السماء العظيمة خلقها الله في يومين، وهذه الأرض التي نحن عليها عظيمة واسعة متسعة وهي بجوار السموات شيء قليل لا قيمة لها، وجعل لها أربعة أيام ليسكن فيها آدم وذريته.

وكرم الله ذرية آدم أنه خلق آدم بيده سبحانه وتعالى، وسواه ونفخ فيه من روحه، وجعل له هذه الأرض مستقراً ومتاعاً إلى حين، فسوى له هذه الأرض، ودحاها، وبسطها، وجعل فيها أرزاقها للعباد، وقدر فيها ما قدر سبحانه وتعالى، حتى يستمتع الإنسان على هذه الأرض إلى حين فيعبد ربه ويعرف نعم ربه سبحانه وتعالى عليه.

وزين الله السماء الدنيا بمصابيح ليهتدي بها الإنسان ويستمتع بالنظر إليها، وتكون له دليلاً في مسيره شمالاً أو يميناً أو جنوباً أو شرقاً أو غرباً، قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك:٥]، وجعلها حفظاً للسماء من الشياطين ودليلاً وهداية للإنسان.

والإنسان قد اعتنى به ربه سبحانه وتعالى بأن هداه في سبيله وطريقه إلى الله عز وجل في شريعته وفي دينه، وكرمه الله سبحانه وحمله في البر والبحر، فإذا عرف الإنسان رحمة ربه به ونعمته عليه وتكريمه له، عبد الله سبحانه, فكيف يكفر بعدما صنع به الله عز وجل ذلك؟ وبعدما صنع له هذه النعم العظيمة أيكفر بالله الخالق القادر سبحانه، الذي خلق هذه الأشياء وهو قادر على أن يخلق الجميع في لحظة وعلى أن يفني الجميع في لحظة؟ قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].

وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت:٩].

وذلك الخالق العظيم هو الذي خلقكم ورباكم بنعمه سبحانه وتعالى، وهو مالككم ومالك كل شيء، وجعل في هذه الأرض رواسي من فوقها وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام، وهذا التقدير في هذه الأرض من أرزاق وأقوات وجبال رواسي كان بعد خلق السماوات، فلقد استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ثم بسط الأرض لعباده، وقدر لهم فيها الأرزاق، وجعل الرواسي فوقها فكان جميع الأيام ستة أيام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>