[تفسير قوله تعالى:(فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه)]
قال تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ}[غافر:٢٥]، أي: جاءهم بالآيات البينات من عند رب العالمين، جاءهم بالتوراة التي فيها شرع رب العالمين، جاءهم بالمعجزات الظاهرة القوية التي ضجوا من هولها وهرعوا إلى موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يطلبون منه أن يجيرهم من ذلك، قال تعالى عنهم:{قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الأعراف:١٣٤]، يتوسلون إلى موسى: ادع ربك يكشف عنا هذا العذاب ونحن سنؤمن، فالله عز وجل يرسل عليهم آية وراء آية ولكنهم لا يفهمون، كلما كشف عنهم آية من العذاب كلما ازداد عتوهم وإفسادهم ورجعوا إلى كفرهم.
قال تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ}[غافر:٢٥]، وهذه هي المرة الثانية التي يأمرون فيها بذلك، فالمرة الأولى قبل مولد موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حين رأى فرعون الرؤيا وفسرها له قومه بأنه سوف يخرج من بني إسرائيل من يكون ضياع ملكه وهلاكه على يديه، فلما سمع بذلك أمر بقتل كل الصبيان من بني إسرائيل الذين يولدون.
فإذا بقومه بعد ذلك يقولون له: إذا قتلت الجميع فمن سيخدمنا بعد ذلك؟ هؤلاء بنو إسرائيل يتزاوجون رجالاً مع نساء، فحين تقتل الصبيان كلهم لا يبقى إلا النساء، فيقول له الكهنة: إنه في عام كذا سوف يولد كذا، وليس كل عام، فإذا به يرجع عن قراره ويقول: اقتلوا الصبيان في عام واستحيوهم في عام، ويرينا الله عز وجل الآية العظيمة، فيولد هارون على نبينا وعليه الصلاة والسلام -وهو أكبر من موسى- يولد في العام الذي لا يقتل فيه الصبيان، فيعيش هارون عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ويولد موسى في العام الذي يقتل فيه الصبيان، فالمفروض أن يقتله فرعون، لكن يرينا الله عز وجل أن هذا الجبار الطاغية فرعون الذي يريد قتل موسى لا يقدر على شيء، فالله عز وجل ينشئ موسى ويحفظه، بل ويربيه في بيت هذا الذي يريد قتله، فسبحان من يسبب الأسباب ويدبر مقاليد الكون سبحانه تبارك وتعالى.
فيعيش موسى في بيت فرعون، وينشأ فيه، ويكون سبباً في عزة بني إسرائيل بعد ذلهم على يد فرعون، ثم يكون سبباً في إهلاك فرعون بما يأتي بعد ذلك.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.