[وجوب مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته وعدم أذاهم]
قال المفسرون: وكأن الخطاب للمؤمنين أيضاً: أن راعوا قرابة النبي صلى الله عليه وسلم فلا تتعرضوا لهم بأذى، حتى وإن كان إسلامهم متأخراً.
وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم منهم من كان من السابقين كـ علي رضي الله تعالى عنه، وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وغيرهم، ومنهم من تأخر في إسلامه وتأخر في هجرته للنبي صلى الله عليه وسلم، كـ العباس عم النبي صلوات الله وسلامه عليه، فلعل البعض من المؤمنين يقول للعباس شيئاً يؤذيه به: أنت رجل كبير وأنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك تتأخر في الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم! فلعل النبي صلى الله عليه وسلم يسمع ذلك أو يبلغه فيتأذى بذلك، فينهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا ذلك، ويأمرهم بحب آل بيته صلوات الله وسلامه عليه، وأن يحبوهم وأن يراعوا القرابة التي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
ولعل البعض من الناس يقول لبعض آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم تأخرتم في إسلامكم فلا ينفعكم أنكم أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء أخطئوا في ذلك؛ لأن أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم تنفعهم مودة النبي صلى الله عليه وسلم، وينفعهم نسبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي قال: (كل نسب وسبب مقطوع يوم القيامة إلا نسبي وسببي) صلوات الله وسلامه عليه، فكل نسب وسبب مقطوع يوم القيامة إلا نسب النبي صلى الله عليه وسلم، فآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ينتفعون بقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وهم المؤمنون منهم الذين دخلوا في دين الله عز وجل، فهؤلاء ينفعهم قربهم من النبي صلوات الله وسلامه عليه، طالما أنهم أسلموا حتى ولو كان إسلامهم قد تأخر فتنفعهم قرابتهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولذلك أراد عمر رضي الله عنه أن يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم بسبب من الأسباب، فلذلك تزوج من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكانت صغيرة في السن، وهو رضي الله عنه لم يتزوجها إلا لهذا الشيء، مع أن ابنته السيدة حفصة بنت عمر زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه أحب أن يرتبط بالنبي صلى الله عليه وسلم بسبب آخر فيكون أقرب، فتزوج بابنة علي رضي الله تعالى عنه.
فالغرض: أن بعض المسلمين قد أساء مع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم لعله تطاول عليهم وقال: لا ينفعكم سببكم ولا نسبكم للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تأخر إسلامكم، فهذا أحزن النبي صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يأمر الجميع ويقول: صلوا قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وراعوها، ولذلك كان لهم تشريف عند الله عز وجل بأنهم ممن منعهم الله عز وجل أن يأخذوا الصدقة، فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٦٠].
فجعل الصدقات لهؤلاء، أما قرابة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جعل لهم سهماً آخر وهو سهم ذوي القربى، فقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [الأنفال:٤١] فجعل سهم قرابة النبي صلوات الله وسلامه عليه في المغانم.
فجعل الله عز وجل لهم أشرف ما يكون ومنعهم من أحقر ما يكون؛ تشريفاً لقرابتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم الحسن مرة وقد مد يده على تمرة ملقاة من تمر الصدقة، فأخذها ووضعها في فمه، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يأخذها منه ويقول: (كخ كخ، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟) وهو طفل صغير، وهذا لا يقال إلا لإنسان كبير ومع هذا قال ذلك لطفل صغير في السن حتى يعلمه، ولم يتركها له، ولم يقل: سأدفع ثمنها، وإنما منعه من أن يأكلها صلوات الله وسلامه عليه.
فالغرض: أن الله سبحانه قال للخلق جميعهم الكفار والمؤمنين: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يطلب منكم شيئاً على أن يبلغ رسالة الله سبحانه، ولكن الذي يأمركم به أن تراعوا القرابة التي بينكم وبينه، وهذا الخطاب لقريش الذين تربطهم بالنبي صلى الله عليه وسلم قرابات ما من بطن من بطون قريش إلا وبينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرابة، ثم باقي الناس يطلب منهم صلة الأرحام ويقول: لا تؤذوا قرابتي، مثل العباس رضي الله عنه وغيره من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم الذين تأخر إسلامهم، وقد وبخهم البعض على ذلك.
فالله عز وجل يبين لهم أن هؤلاء أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، واحترامكم لهؤلاء من احترامكم للنبي صلى الله عليه وسلم، والعباس كان السن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ليس كبيراً، ومع ذلك كان يفرح النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه، ويقول: (هذا العباس هذا عمي) ويقول: (عم الرجل صنو أبيه) والنخل منها صنوان وغير صنوان، والنخلة غير الصنوان هي التي تكون قائمة على ساق واحدة ويطلع الفروع من الساق الواحدة، أما الصنوان فهي التي لها ساقان، فيكون أصل النخلة واحداً ويتفرع منه ساقان، وكل ساق فيه رأس نخلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يقول عندما رأى العباس: (عم الرجل صنو أبيه)، يعني: أنه يجتمع مع أبيه في جده، فإذا كان يقول عن جده أنه أبوه فكذلك العم يكون أباً للإنسان مع عدم وجود أبيه، وهو أولى الناس به مع عدم وجود أبيه.
وكون العباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يمنع أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بالحق ويأمر الناس أن يأخذوا منه الحق، ولما خرج جيش الكفار إلى بدر كان العباس فيهم، وهو لم يخرج للقتال، وإنما أجبروه على الخروج معهم، فخرج ولم يقاتل، وأسر العباس رضي الله تعالى عنه، فلما أسر وجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا الفدية أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا من العباس الفدية، وقال: (لا تدعوا له درهماً، فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إني كنت مسلماً قبل، قال: ظاهرك كان علينا)، يعني: وإن صدقناك في أنك كنت مسلماً لكنك كنت في جيش العدو، فظاهرك كان علينا، فلابد أن تدفع حتى تخرج من الأسر، ودفع العباس، والله سبحانه وتعالى قال للمؤمنين: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال:٧٠].
فـ العباس دفع الفدية وفدى نفسه وفدى عقيلاً ابن أخيه، ولما قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال:٧٠] قال العباس بعد ذلك: (فوالله لقد آتاني الله عز وجل خيراً مما أخذ مني وأنا أرجو الأخرى) يعني: أنا دفعت الفدية عن نفسي وعن عقيل ابن أخي، والله عز وجل عوضني خيراً من ذلك، وأنا أنتظر مغفرة الله؛ لأن الله وعد بذلك.