قال الله تعالى عن الملائكة أنهم يقولون:{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[غافر:٨]، فيدعون ربهم للمؤمنين أن يقيهم عذاب الجحيم، وأن يدخلهم جنات عدن، والجنات فيها بساتين عظيمة، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فقوله:((رَبَّنَا)) يعني: يا ربنا! ((وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ)) والعدن بمعنى: الإقامة الدائمة، أي: جنات الإقامة الدائمة، فيقيمون فيها فلا يخرجون منها أبداً، وقوله:((الَّتِي وَعَدْتَهُم)) أي: في كتبك، وعلى ألسنة رسلك عليهم الصلاة والسلام، بمعنى: وعدت المؤمنين، ووعدت من صلح من الآباء، فأدخلهم وأدخل الصالحين من آبائهم، وأزواجهم وذرياتهم، والمؤمن يدخل الجنة ويدخل معه الصالحون من أهله، وهم الذين يستحقون أن يوصفوا بأنهم من أهله، فإن كانوا غير صالحين فلا يستحقون هذه الصفة، ولذلك قال نوح يدعو ربه سبحانه:{إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}[هود:٤٥]، فكان الجواب من الله عز وجل:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود:٤٦]، أي: هذا عمله عمل غير صالح لا يستحق أن يوصف بأنه من أهلك.
فيوم القيامة يدخل الجنة الرجل الصالح، ويدخل معه الصالحون من أهله، ويتفضل الله سبحانه على عباده، ويرينا كرمه العظيم، فقد يعمل الرجل العمل العظيم الصالح ويكون له في الجنة منزلة عالية عظيمة، وتكون زوجته امرأة صالحة تقية، ولكن لم تبلغ عمله، ويكون أولاده أيضاً على صلاح وعلى تقى، ولكن لم يبلغوا عمل أبيهم، فإذا بالله عز وجل يدخل هذا الرجل في أعلى الجنات، فينظر فيقول: أين زوجتي وأولادي؟ فيقال له: دخلوا، ولكن ليسوا في منزلتك، فيقول: لكني أنا عملت، فيتكرم الله سبحانه ويرفع هؤلاء إلى درجة أبيهم معه في الجنة، ولذلك دعت الملائكة ربها سبحانه أن يدخل هؤلاء الصالحين الجنة ((وَمَنْ صَلَحَ)) من الآباء، والصالحات من الأزواج، ((وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ))، أي: من جاءوا منهم من الأبناء والأحفاد وغير ذلك يدخلون الجنة مع آبائهم، وغير الصالحين لا ينتفعون بصلاح آبائهم.
ثم قالوا:((إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) فلما قالوا: قهم عذاب الجحيم، وأدخلهم جنات عدن، ناسب أن يقول الله سبحانه ويذكر بعد ذلك في دعائهم:((إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))، والعزيز: هو الغالب، فأدخلت العصاة النار، ووقيت هؤلاء الصالحين شر النار وعذاب النار فأنت الحكيم يا ربنا في أن أدخلت هؤلاء الجنة، وأدخلت معهم الصالحين دون غيرهم، فإذا قال أحدهم: هؤلاء أبنائي وكنت أرحمهم في الدنيا، فيقال: إنهم كانوا غير صالحين، فالله حكيم في أقواله، حكيم في أفعاله سبحانه وتعالى، يعذب من عصاه سبحانه، ويرحم من أطاعه، فهو الرحيم بالمؤمنين، وهو شديد العقاب للكافرين والفجار.