تفسير قوله تعالى: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٢٥ - ٢٩].
في هذه الآيات يخبرنا الله تبارك وتعالى عن الذين كفروا أنهم جاءوا من قريش وغطفان فردههم الله سبحانه خائبين خاسرين لم ينالوا خيراً، ظنوا أنهم ينتصرون على الإسلام والمسلمين، وأنهم سيغنمون المدينة وما فيها، فردهم الله خاسرين خائبين لم ينالوا شيئاً من الخير، ورجعوا متغيظين، قل موتوا بغيظكم.
وكفى الله المؤمنين القتال بقدرته وقوته تبارك وتعالى، ودون شدة قتال، وإنما كان القتال شيئاً يسيراً من بعض الكفار الذين عبروا الخندق إلى المسلمين، فقتلهم البعض من المسلمين وهم عدد قليل، ومن المسلمين كذلك؛ ليري الله سبحانه المؤمنين كيف أنه بقوته سبحانه وبأمره يرتد الكفار خائبين خاسرين مدحورين بغير قتال من المسلمين، جاءوا بغيظ وحنق فرجعوا به وبأزيد منه، ولم ينالوا خيراً لا في الدنيا ولا في الآخرة، وكفى الله المؤمنين القتال، وكم ممن لا كافي له ولا مؤوي! ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يثني على ربه سبحانه في كل ليلة حين ينام صلوات الله وسلامه عليه يقول: (الحمد لله الذي كفانا وآوانا، والذي أطعمنا وسقانا، والذي من علينا فأفضل، والذي أعطانا فأجزل، الحمد لله على كل حال، رب كل شيء ومليكه، وإله كل شيء، نعوذ بك من النار).
وكان يقول: (الحمد لله الذي كفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي).
الله كفى المؤمنين، فأمنهم بعد أن كانوا خائفين، ووعدهم -ووعده الصدق سبحانه تبارك وتعالى- أن ينصرهم فرأى المؤمنون أن الأمر أشد وأصعب، فلما زلزلوا زلزالاً شديداً إذا بالنصر يأتي من عند الله، وكفى الله المؤمنين القتال فعرفوا نعمة الله، وهم الذين صدقوا الله {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢] فاستسلموا وسلموا لقضاء الله وقدره، ورضوا بما هم فيه من أمر أراده الله سبحانه تبارك وتعالى، وانتظروا كيف يفرج الله سبحانه تبارك وتعالى عنهم هذا الغم.
وقد قال الله عز وجل في كتابه: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:٥ - ٦] وقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: (واعلم أن الفرج مع الكرب).
اعلم أن النصر بيد الله سبحانه تبارك وتعالى يأتي في وقت الضيق والكرب والشدة، ويأتي الفرج في وقت ما يشتد الكرب على الناس، فالنصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً، وجاء اليسر والفتح من عند الله، وجاء وعد آخر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يحدث أبداً أن يأتي هؤلاء الكفار مرةً ثانية إلى المدينة، قال صلى الله عليه وسلم: (الآن نغزوهم ولا يغزونا).
{وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب:٢٥] الله القوي القادر يحكم أمره ويفعل ما يشاء سبحانه، ولا راد لأمره سبحانه.
فالله عزيز غالب لا يغلب ولا يمانع سبحانه وتعالى، وإذا قضى أمراً فإنما يقول له: كن فيكون على ما أراد الله سبحانه، وإن أراد الخلق غير ما أراد الله سبحانه وتعالى فأمره لا بد وأن يكون، فهو العزيز المنيع الذي لا يغلب.