[تفسير قوله تعالى: (وما كان له عليهم من سلطان)]
إبليس لم يأتهم بأي حجة: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [سبأ:٢١]، لذلك يقول إبليس وهو في النار: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:٢٢] أي: أنتم كنتم تعبدونني من دون الله، وأنا كفرت بعبادتكم: {إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم:٢٢].
قال الله عز وجل في هذه الآية: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} [سبأ:٢١].
إلا هنا للاستثناء ويسمونه: الاستثناء المنقطع، والمعنى: لكن الشيطان فعل بهم ذلك، لنعلم علم شهادة، {مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} [سبأ:٢١].
إذاً: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} معناها: ولكن لنعلم، وهل لم يكن يعلم قبل ذلك سبحانه وتعالى؟! حاشا له سبحانه، فالله يعلم كل شيء.
وعلم الله علمان: علم غيب: فقبل أن يوجد الخلق علم كل شيء سبحانه وتعالى، وعلم شهادة: وهو الذي يحاسب الله عز وجل العباد عليه، ومستحيل أن يختلف علم الشهادة عن علم الغيب، فعلم الغيب: هو قبل أن يوجد الإنسان، فلما أوجد الإنسان وفعل الأشياء رآها الله سبحانه، وسمعها وعلمها فسمي علم شهادة.
فالله عز وجل لا يحاسب الإنسان على علمه الغيبي به، بل يحاسبه على علم الشهادة، لتكون الحجة لله سبحانه.
وعلم الشهادة هو الذي يذكره الله عز وجل هنا، يقول: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} [سبأ:٢١] أي علم شهادة: {مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ} [سبأ:٢١]، أي: من يؤمن فيعمل: {مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} [سبأ:٢١]، والذي يشك في الآخرة كافر بعذاب الله سبحانه وتعالى، وبحسابه، والذي يشكك لا يعمل، كالمنافقين الذين قالوا: آمنا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، قال الله سبحانه، {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سبأ:٢١] أي: يحفظ عليك كل ما تفعله.
وذكرنا قبل ذلك أن الله سبحانه إذا ذكر اسمه العليم فإنه يدل على أنه قد علم بكل شيء ظاهراً وباطناً أولاً وآخراً، وأنه قد علم ما يجهر به الإنسان وما يسره ويخفيه سبحانه وتعالى، فإذا قيد بصفة من صفاته كصفة الخبير، فإن المقصود منها علم الشيء الخفي الذي لا يظهر.
فإذا ذكر أنه الشهيد سبحانه بمعنى العليم بالشيء المشاهد فإنه يدل على علم الله سبحانه بما هو مشاهد وما هو ظاهر.
فإذاً: للعلم الخفي الخبير، وللعلم الظاهر الشهيد، فإذا كان يعلم ويحصي عليك، فهو الحفيظ سبحانه وتعالى، فإنه يحفظك، ويحفظ ملائكته، ويحفظ جميع خلقه، كما أنه جعل للإنسان معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، فإذا نزل القضاء والقدر من السماء، أصاب ما أراده الله ولم ينفع صاحبه بشيء، فالله يحفظ خلقه سبحانه، ويحصي عليهم أعمالهم فهو الحفيظ وهو المحصي سبحانه وتعالى.