[تفسير قوله تعالى:(إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون)]
يقول ربنا تبارك وتعالى:{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ}[يس:٥٥].
عندما يدخل أهل الجنة الجنة بعد الحساب والموقف بين يدي الله سبحانه وتعالى يدخل أناساً الجنة بغير حساب، وأناساً خفف عنهم الحساب، وأخر آخرين فإذا بأهل الجنة السابقين السابقين يسبقون إليها، وصاروا في الجنة في شغل فكهون.
وانظر إلى تعبير القرآن العظيم:((أَصْحَابَ الْجَنَّةِ)) كأنهم ملكوها، هذه الجنة جنتكم، هذه التي أعددناها لكم.
((فِي شُغُلٍ)) هذه فيها قراءتان: قراءة ابن عامر والكوفيين وأبي جعفر ويعقوب: ((فِي شُغُلٍ)) بضمتين.
وباقي القراء نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب:{فِي شُغْلٍ}[يس:٥٥].
((فَاكِهُونَ)) أي: منعمون، تقرأ ((فَاكِهُونَ)) وتقرأ ((فَكهُونَ))، مثلما يقال: تامر ولابن، يعني: عنده تمر وعنده لبن، كذلك هذا فاكه يعني: عنده فاكهة عظيمة، ففاكهون يسرون ويضحكون في سعادة هؤلاء أهل الجنة، وكذلك ((فكهون))، يعني: نفوسهم طيبة منعمة بالجنة.
((فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ))، قد شغلوا بما في الجنة من نعيم، شغل الدنيا يتعب فيه الإنسان ويرجع يريد أن ينام ويستريح، فالجنة ليس فيها نوم ولا تعب ولا انشغال بمعاص، بل في شغل مما يسر أهل الجنة، ويجعلهم مشغولين عن غيرهم، ينشغلون عن أهل النار، فلا ينظرون إليهم، حتى وإن كان من أهلهم من دخل النار واستحقها والعياذ بالله، إلا أن يأذن الله عز وجل في الشفاعة فتكون لمن دخل النار من عصاة الموحدين، فيخرجونهم من النار بفضل ربنا سبحانه وتعالى يشفع فيهم من يشاء.
لكن أهل الجنة فيما هم فيه من نعيم مقيم مشغولون بفاكهة الجنة، بطعام الجنة، بالحور العين، بالسماع، قد منعوا في الدنيا من سماع الموسيقى والألحان، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:(ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، أقوام يستحلونها، فقد حرمها عليهم النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهذا في صحيح البخاري من حديث أبي مالك الأشعري.
قال:(فإذا جاءوا يوم القيامة دخلوا الجنة فاستمتعوا بأحلى الأصوات وأحلى النغمات)، فهم في شغل بما ينعمون فيه في الجنة من نعيم مقيم، انشغلوا عن غيرهم ممن دخلوا النار، فيشغلهم الله تبارك وتعالى بالحور العين، يشغلهم بفاكهة الجنة، وبما أحبوا واشتهوا من أشياء، قد صانوا أنفسهم في الدنيا عن معاصي الله فصارت لهم الجنة بما فيها من نعيم من عند الله سبحانه.