[تفسير قوله تعالى: (له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم)]
ثم قال تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الشورى:٤]، فالله سبحانه وتعالى يسوق لنا دلائل ألوهيته وربوبيته سبحانه وتعالى، فالله عزيز وحكيم سبحانه، والله يملك، وهذه صفات ربوبيته سبحانه وتعالى، فمقتضى ربوبيته أنه الذي يخلق، والذي يرزق، والذي يملك، والذي يعطي، والذي يمنع، والذي يعز، والذي يذل، والذي يفعل بعباده ما يشاء سبحانه، هذا مقتضى أنه رب، والإله مقتضاه: أن عباده يتوجهون إليه بأفعال شرعها لهم، فأنت توحده فتعبده فتقول: لا إله إلا الله.
فمقتضى ألوهيته أن العباد يتوجهون إليه بالعبادة ولا يشركون به شيئاً.
والربوبية مقتضاها: صدور أفعال منه سبحانه وتعالى لا يقدر عليها غيره، فالله الرب الذي يخلق، والذي يربي، والذي يعطي ويمنع، والذي يملك كل شيء، والذي يشرع لعباده سبحانه وتعالى، هذا مقتضى أنه رب.
قال تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)، خلق السماوات وخلق الأرض، ويملك السماوات ويملك الأرضين، وله كل ما فيهما من خلق.
ثم قال: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)، وهذان اسمان له تبارك وتعالى أيضاً، فالله هو العلي، والله هو العظيم، وهنا في هاتين الآيتين ذكر سبحانه خمسة أسماء له تبارك وتعالى، وهي: الله، العزيز، الحكيم، العلي، العظيم.
وقوله: (الْعَلِيُّ) ذكر العلي وذكر المتعالي سبحانه وتعالى، فهو له العلو فوق خلقه، وكل شيء تحته ودونه سبحانه وتعالى، وهو فوق كل شيء، خلق السماوات وجعلها أعلى ما يكون، وجعل سمك السماء مسيرة خمسمائة سنة، وجعل بينها وبين التي تليها مسيرة خمسمائة سنة، ثم السماء الأخرى جعل سمكها مسيرة خمسمائة سنة، وجعل بينها وبين التي تليها مثل ذلك، وهذا شيء عظيم جداً جداً.
فالسماء الدنيا لا نحصي ما تحتها من كواكب ونجوم وشموس وأقمار وغيرها، فكيف بالسماء نفسها؟ وكيف بمخلوقات الله التي في هذه السماء؟ فالله فوق سماواته سبحانه وتعالى، قال لنا: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك:١٦ - ١٧]، والذي في السماء هو الله الذي ترفع إليه يديك وتقول: يا رب! يا رب! {الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:١]، الذي ينزل الملائكة والروح من السماء ليكونوا مع الخلق في ليلة القدر، إنه الله عز وجل الذي يفعل ما يشاء وهو الكبير المتعال سبحانه وتعالى.
فالله له العلو المطلق، فله علو الشأن، فشأنه عظيم، ولا يحيطون بشيء من علمه، ولا يحيطون به علماً سبحانه وتعالى، وله علو القهر، فقد غلب كل شيء، وقهر كل شيء، وعلا على كل شيء، وله علو الذات سبحانه وتعالى كما قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، فاستوى فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته، كما جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة، والكرسي بجوار العرش كحلقة في فلاه)، والله على عرشه استوى، وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه، يأمر سبحانه وينهى، {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:٢٥٥].
فهو العلي العظيم سبحانه وتعالى، صاحب العظمة سبحانه وتعالى، فلا تتكبر؛ فالكبر لا يليق بك، والكبر لا يليق إلا بالله وحده لا شريك له، الكبر لمن يملك صفات الجلال وصفات الكمال، وصفات العظمة، وهي لله وحده سبحانه وتعالى، فلا يليق بمخلوق ضعيف أن يقول: أنا أتكبر فليس لك أن تتكبر، وليس عندك ما يجعلك تتكبر، فهذه الصفة ليست لك، وإنما هي لله هي وحده سبحانه، فإذا نازع إنسان ربه في صفة الكبر أدخله النار، ولذلك لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر؛ لأنه ينازع الله عز وجل في صفة لا تكون إلا له سبحانه، كما قال: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجاثية:٣٧]، وقال في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي، والعزة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار)، فالذي ينازع ربه سبحانه وتعالى ويتعزز على ربه، ويرفض أمر ربه سبحانه، ويستكبر على دين الله، ويستكبر على خلق الله، فكأنه ينازع الله عز وجل صفة من صفاته، ولذا قال: (أدخلته النار)، أي: يدخل هذا المتكبر النار والعياذ بالله، فالله له العظمة وحده لا شريك له، وله الكبرياء وهو العلي العظيم.