تفسير قوله تعالى:(وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً)
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد: قال الله عز وجل في سورة الفرقان: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفرقان:٣٠ - ٣٣].
يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات كيف يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ويشكو إلى ربه سبحانه وتعالى إعراض قومه، واتخاذهم هذا القرآن مهجوراً.
{وَقَالَ الرَّسُولُ} [الفرقان:٣٠]، أي: يوم القيامة، أو أنه في الدنيا يشكو إلى ربه ما حصل، والجزاء يكون يوم القيامة، يقول:{إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان:٣٠]، أي: هجروا القرآن فجعلوه كالبيت المهجور، والبيت إما أن يكون معموراً وإما أن يكون مهجوراً، والبلد والمكان والموطن والموضع إما أن يكون هذا كله معموراً أو مهجوراً، وكذلك هؤلاء مع القرآن: إما أن يعمروا قلوبهم بذكر الله عز وجل، وبحفظ كتابه سبحانه، وبكثرة قراءة القرآن والعمل به، فيعمرون ديارهم وبيوتهم وقلوبهم بهذا القرآن العظيم الذي فيه شرع رب العالمين، وإما أن يتركوه فلا يعملون به، فإذا تركوه وراءهم كذبوه ورفضوا أن يعملوا به، وعصوا الله سبحانه وتعالى فقد هجروا هذا القرآن، ومن أشد الناس جرماً من يحفظ كتاب الله ثم لا يعمل به، أو يحفظ القرآن ثم ينساه، فهذا من أشد الناس جرماً، وداخل تحت هذه الآية، والعبرة بعمومها، فالذين اتخذوا هذا القرآن مهجوراً هم المجرمون والفجار والعصاة، والإنسان الذي لا يقبل على قراءة القرآن من المسلمين فقد اتخذه مهجوراً، والذي يعلم الأحكام الشرعية الموجودة فيه ثم لا يعمل بها فقد اتخذه مهجوراً، والذي يحفظ القرآن ثم يتناساه أو يتغافل عنه حتى يتفلت من صدره فقد اتخذه مهجوراً، فيأتي الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شاكياً إلى ربه أن قومه اتخذوا هذا القرآن مهجوراً.
قال تعالى:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان:٣٠]، هذه قراءة الكوفيين وابن عامر أيضاً، ويقرؤها نافع وأبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو وروح عن يعقوب:(إن قوميَ اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) بالفتح.
ولفظ (القرآن) يقرؤها جمهور القراء بالهمزة، ويقرؤها ابن كثير المكي بدون همزة (القران).
قال تعالى:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان:٣٠]، أي: هجروا هذا القرآن، فكأنهم عرفوا ما فيه ثم تركوه بعد ذلك، فاتخذوه كالشيء الخرب الذي يهجر.