للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فخسفنا به وبداره الأرض)]

قال الله سبحانه تبارك وتعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ} [القصص:٨١].

أي: لما كان الأمر على ذلك وكان المؤمنون ينظرون إليه أنه مغرور وأن ما عنده لا يساوي شيئاً مما عند الله، وكان الذين لهم طمع في الدنيا يتحسرون على حالهم وينظرون إليه نظرة حسرة وحسد، إذا بالله عز وجل يخسف به الأرض أمام الجميع.

فتزلزلت الأرض من تحته، وغاص في الأرض بزينته وماله ودياره وخزائنه، وكل شيء كان يملكه لم يجعلها الله إرثاً لبني إسرائيل، فإنه لو ترك هذا المال لكان ميراثاً لبني إسرائيل ولكن الله عز وجل لم يجعله لهم وإنما خسف بـ قارون وبداره الأرض.

{فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ} [القصص:٨١]، يعني: لم يكن معه قليل ولا كثير {يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ} [القصص:٨١]، وحتى لو كانت له فئة فمستحيل أن ينتصر وقد كتب الله عز وجل عليه الهزيمة.

قال سبحانه: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ} [القصص:٨٢]، أي: حين وقعت المفاجأة بهت الجميع ثم ردت إليهم عقولهم فأصبحوا بعد ذلك يتكلمون عما حدث في هذه القصة.

لقد كانت مفاجأة للجميع، ثم جاءت التذكرة بعد ذلك، وحين تنزل مصيبة بالإنسان لا يعتبر ويتفكر في وقت المصيبة، ولكن يمر عليه الليل وحين يصبح بالنهار يتفكر فيما حدث.

{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} [القصص:٨٢].

(وي) كأن أصلها: ويل، وهي كلمة تقال عند المفاجأة وعند التوجع، وعند التعجب، فكأنه يقول: عجباً كأن الأمر كذا وكذا، فقال سبحانه: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ} [القصص:٨٢].

وقيل معناها: ألم تر أن الله فعل كذا وكذا.

{وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} [القصص:٨٢].

(يبسط) يعطي كثيراً، (يقدر)، يقبض ويضيق سبحانه وتعالى، فيعطي ويمنع.

{لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} [القصص:٨٢].

أي: كانت مصيبتنا مصيبة عظيمة لو كان الله أعطانا مثلما أعطى هذا الإنسان، {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} [القصص:٨٢]، يعني: نحن طمعنا وتمنينا ما مع هذا الإنسان، ولو أن الله أعطانا لخسف بنا كهذا الإنسان.

{وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص:٨٢]، أي: الشأن والأمر أنه لا يفلح الإنسان الكافر مهما أعطاه الله عز وجل في الدنيا من مال ومن بنين.

نسأل الله عز وجل العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>