[تفسير قوله تعالى:(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)]
قال الله تعالى:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ}[فصلت:٤٢] أي: لا يأتيه ما يبطله مما تقدم قبله أو بعده، فلا كتب قبله تنسخه أو تدل على بطلانه، وإنما الكتب السابقة تدل عليه، فقد بشرت بالنبي صلوات الله وسلامه عليه وبما يأتي به من عند الله سبحانه، ولا ينزل كتاباً بعده ينسخه، بل إذا نزل المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام عند قرب قيام الساعة وهو من العلامات الكبرى لقيام الساعة فإنه يحكم بهذا القرآن العظيم، ويرفع الجزية ويقتل الخنزير ولا يقبل إلا هذا الدين العظيم الذي يعمل فيه بكتاب رب العالمين.
فلا يستطيع أحد أن يزيد فيه ولا أن ينقص منه، فإن الذي تكفل بحفظه هو الله سبحانه القائل:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:٩].
فهو كتاب عظيم وغالب لغيره، ومن أراد أن يجادل فيه غلبه هذا القرآن وقهره، فهو يتحدى الخلق أن يأتوا بمثله، كما قال الله سبحانه تبارك وتعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:٨٨].
وكذلك تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات فما استطاعوا، وتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة فما استطاعوا أن يأتوا بسورة من مثله.
فهذا القرآن العزيز الغالب المنيع الجانب الممتنع من أن يأتي إليه باطل، ومن أن يأتي أحد بمثله أو أن يعارضه بشيء، أنزله الله رب العالمين سبحانه، قال تعالى:{تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:٤٢].
أي: نزل من عند الذي من أسمائه الحسنى وصفاته العلى أنه سبحانه الحكيم الحميد.
فهو حكيم في أقواله وأفعاله وتقديراته وقضائه وقدره.
وهو حميد مستحق للثناء، يحمد سبحانه لذاته ولصفاته ولعلوه سبحانه، ولأفعاله العظيمة الجميلة، فهو المحمود سبحانه تبارك وتعالى، الذي أنزل هذا القرآن الذي فيه الهدى والنور والشفاء، والذي فيه الشريعة التي يحكم بها العباد ليتقربوا إلى الله فيستحقوا أن يكونوا من أهل جنته، فهو الحكيم فيما نزل سبحانه وفيما شرع.
أنزل هذا القرآن مفرقاً لحكمة من الله سبحانه، ولو نزل مرة واحدة ما قاموا به، ولا استطاعوا أن يعملوا به، ولكن نزل شيئاً فشيئاً حتى اكتمل، ليعملوا بجميع ما فيه، وليربيهم به، فهو الحكيم في إنزال هذا القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم، وحكيم في وقت تقدير إنزاله، وحكيم في اختياره على من ينزل لأي أمة تصلح له ويصلح لها، وهو محمود على ما أنزل وعلى ما شرع وحكم سبحانه تبارك وتعالى.