للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مقدمة بين يدي تفسير سورة الجاثية]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الجاثية: {حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية:١ - ٦].

هذه السورة الخامسة والأربعون من كتاب الله عز وجل وهي سورة الجاثية، وهي السورة السادسة من آل حم، وأول سور الحواميم غافر، يليها فصلت، يليها الشورى، يليها الزخرف، يليها الدخان، يليها الجاثية، يليها الأحقاف، سبع سور بدأها الله عز وجل بـ (حم)، وترتيب نزولها على ترتيب ورودها في المصحف العظيم، فهذه السورة هي السادسة في نزولها من الحواميم.

وتسمى بسورة الجاثية، لأن فيها ذكر يوم القيامة، قال الله عز وجل: ((وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً)) والجثو: هو النزول على الركب، يكون الإنسان قد نصب قدميه واتكأ على ركبتيه كهيئة الذي يكاد أن يقع ساجداً، هذا هو الجاثي، جثا على ركبتيه، يعني: جلس جلسة الخاشع الذليل، فكذلك الأمم يوم القيامة تجثو على الركب تنتظر ما الذي يصنع بها، وتسمى أيضاً بسورة الشريعة؛ لأن الله عز وجل ذكر فيها: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:١٨].

سورة الجاثية هي سورة مكية، وفيها خصائص السور المكية من ذكر آيات الله سبحانه وتعالى، من خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتصريف الرياح، وما أنزل الله عز وجل من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وكل هذا يدعو الخلق إلى أن يتفكروا في آيات الله سبحانه وتعالى؛ ليؤمنوا وليوقنوا وليعقلوا بما ذكر الله سبحانه وتعالى، وهذه السورة فيها ذكر ما كان من تكذيب السابقين، ومن تكذيب القرشيين وأهل مكة للنبي صلوات الله وسلامه عليه، وأيضاً فيها ذكر شيء من اعتقاد هؤلاء الجهلاء من الكفار من أنهم في هذه الحياة الدنيا يموتون ويحيون وما يهلكهم إلا الدهر، ولا بعث في ظنهم، فيخبر تعالى أن هذا كذب وسترون يوم القيامة: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:٢٨].

ثم يذكر الله سبحانه وتعالى الجنة وأهل الجنة وما يصيرون إليه من نعيم مقيم، ويذكر النار وأهل النار وما يصيرون إليه من عذاب أليم.

آيات هذه السورة سبعة وثلاثون في العدد الكوفي، وستة وثلاثون آية عند باقي القراء، وسبب الخلاف (حم)، فعدها الكوفيون آية مستقلة، وعند غيرهم (حم) وما بعدها آية واحدة: (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) هذه الآية الأولى في غير المصحف الكوفي.

وكلمة (حم) الحاء تمد حركتين مداً طبيعياً، والميم تمد مداً طويلاً.

والحاء فيها الفتح وفيها الإمالة وفيها التقليل، الفتح قراءة الجمهور، والإمالة قراءة ابن ذكوان وشعبة عن عاصم وحمزة والكسائي وابن خلف، والتقليل قراءة الأزرق عن ورش وأيضاً هي قراءة أبي عمرو بخلفه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>