للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون)]

قال الله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر:٦٤]، يقول الله لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: قل لهؤلاء الكفرة المجرمين: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} يخاطبهم بلهجة شديدة: أيها الجهلة! أيها الحمقاء والمغفلون! أتأمرونني أعبد غير الله؟! من إله غير الله يرزقكم من السماء والأرض؟! أأله مع الله يستحق العبادة، وهو الذي خلق ورزق، وأقررتم وأيقنتم بأنه كذلك؟ أأعبد غير الله؟ أين عقولكم أيها الجاهلون؟! وقوله تعالى: ((قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي)) بالمد والتسكين وتسكين الياء هذه قراءة الكوفيين، وقراءة البصريين أبي عمرو ويعقوب، وحمزة، والكسائي، وخلف ي ((تَأْمُرُونِيْ أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)) بالياء الساكنة على قراءتهم في المد والقصر فيه، ويقرؤها نافع وأبو جعفر المدنيان: ((قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِيَ أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ))، بالتخفيف وفتح الياء، وطالما فتحت الياء فلا مد فيها.

ويقرؤها ابن كثير بفتح الياء والتثقيل: ((قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تأمرونِّيَ أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)) ويقرءوها ابن عامر بخلف عن ابن ذكوان: ((قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونني أَعْبُدُ)) ويمد فيها بحسب ما يمد هشام وابن ذكوان.

وهناك قراءة ثانية لـ ابن ذكوان: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} بالمد الطويل فيها، فهذه خمس قراءات في هذه الكلمة.

وإذا وقف يعقوب على كلمة (الجاهلون) يقرؤها بهاء السكت، يقول: ((أَيُّهَا الْجَاهِلُونَه) أو يقرأ: ((أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)).

فهنا الخطاب للكفرة أنهم جهلوا، وإن كانوا قد علموا أشياء، كما قال الله سبحانه وتعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم:٧] فهذا علم الكفار، يعلمون من علوم الدنيا، كعلم الطب والفلك والبحار، فيعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا أما الغيبيات فلا يريدون أن يعرفوها، ولا يريدون أن يعرفوا مصيرهم بعد الموت، وهذا هو الجهل الحقيقي، فعلمهم لا يتجاوز هذه الدنيا التي يعيشون فيها فترة وجيزة، ويتغافلون عن الحياة الأبدية في الآخرة، فالجاهل حقيقة هو الذي ترك أخراه وطلب دنياه، وضيع العلم الحقيقي، وأخذ ظاهراً من الحياة الدنيا.

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>