الريح: من روح الله ورحمته سبحانه، وقد تكون من عذاب الله سبحانه وتعالى، فيرسل الريح بالرحمة على قوم، ويرسلها بالعذاب على قوم، وقد رأى قوم سحاباً في السماء أثارتها الرياح فقالوا:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}[الأحقاف:٢٤] ومن هذه الآية أخذوا أن كلمة الريح تأتي بالعذاب، ولكن هنا قال الله عز وجل:((وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ)) على قراءة الجمهور، وعلى قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف الريح، فهي هي الريح، إما برحمة من الله، وإما بعذاب من الله عز وجل، والرياح والريح واحد.
وقوله تعالى:(فسقناه): رجع إلى لفظ الماضي مرة ثانية وهذا من التفنن في الخطاب، فكأنك تنظر إلى عظمة الله سبحانه بالتدبر في آياته ومخلوقاته في هذا الكون، فانظر إلى هذه الريح التي أرسلها الله، فأنت لم تر إرسال الريح ولكن ترى السحاب وهي تجتمع في السماء سحابة مع سحابة، ثم تساق السحاب بواسطة الرياح، فعندما ترى السحاب تخمن نزول المطر، فكأنه يحضر لك الحال أمامك.
قوله تعالى:((فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ)) قرأها ((بَلَدٍ مَيِّتٍ)) المدنيان نافع، وأبو جعفر، وحفص عن عاصم، وحمزة والكسائي، وخلف، وباقي القراء يقرأون {إِلَى بَلَدٍ مَيْتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ}[فاطر:٩] والمعنى: جاءت الحياة إلى هذه الأرض الميتة من عند الله سبحانه وتعالى، وأراد أن يريكم حاجتكم إليه سبحانه، فكل إنسان محتاج إلى ربه سبحانه، ومحتاج إلى هذه الرياح ومحتاج إلى المطر، ومحتاج إلى الماء، ومحتاج إلى الثمار والحبوب، ومحتاج إلى هذه الأرض، ومحتاج إلى رحمة الله سبحانه.