الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الزخرف:{لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}[الزخرف:٧٨ - ٨٠].
في هذه الآيات وما قبلها يخبر الله سبحانه وتعالى عن حال أهل الجنة، وعن حال أهل النار، فذكر أهل الجنة فقال:{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ}[الزخرف:٧٢ - ٧٣]، وذكر أهل النار فقال:{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}[الزخرف:٧٥ - ٧٦].
فأهل الجنة ينعمون في الجنة بما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ويقال لهم: أنتم فيها خالدون، وأهل النار المجرمون الفجار في عذاب جهنم خالدون، لا يخفف عنهم وهم فيه مبلسون، آيسون منقطع أملهم عن الخروج من هذه النار، قال الله:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}[الزخرف:٧٦]، فالإنسان يظلم نفسه فيستحق ما جنت عليه يداه، ولذلك في الحديث أن الله عز وجل يقول:(يا عبادي! إنما هي أعمالكم، أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، فالإنسان الذي يجد في صحيفة عمله خيراً، فليحمد الله أن وفقه لذلك، ومن وجد غير ذلك من آثام فلا يلومن إلا نفسه، فهو الذي ظلم نفسه في الدنيا، بأن كفر بالله وجحد نعم الله، وعمل السيئات فاستحق العقوبات، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}[الزخرف:٧٦].
وأهل النار لما يئسوا من رحمة رب العالمين، ومن الخروج من النار، دعوا على أنفسهم بالهلاك، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ}[الزخرف:٧٧] يعني خازن النار، {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}[الزخرف:٧٧]، فكان جوابه بعد أن سكت عنهم:{قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف:٧٧] أي: ماكثون في العذاب لا تخرجون منه ولا يخفف عنكم.