[تفسير قوله تعالى: (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها)]
قال الله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:٩١].
يعني: اذكر هذه التي أحصنت فرجها، {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء:٩١] وذكر في سورة آل عمران وفي سورة مريم تفصيلاً طويلاً في ذلك، وهنا أشار إشارة: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [الأنبياء:٩١].
فهناك ذكر أنها كانت صغيرة السن ونذرتها أمها لخدمة بيت المقدس، فقامت بذلك على أتم التمام وأكمل الكمال وخدمت في بيت الله، وكانت طاهرة مطهرة عليها السلام، فطهرها الله سبحانه وجعلها سيدة نساء العالمين، وجعل لها في الجنة منزلة عظيمة جداً، وجعلها آية للخلق.
قال تعالى: {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [الأنبياء:٩١] أي: طُهرَتْ وطَهَرَتْ نفسها ولم تقع في دنس أبداً.
{فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} أي: أرسلنا جبريل روح القدس فنفخ نفخة من روح الله عز وجل، فجبريل عليه السلام نفخ في جيب درعها نفخة، فقام روح القدس بهذه النفخة.
قوله: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء:٩١]، شرف الله هذه الروح بإضافتها إليه عز وجل، فهذه روح الله سبحانه، كما يقال: هذه أرض الله، هذه سماء الله، وهذا بيت الله، والمسيح روح الله، أي: روح خلقها الله عز وجل وشرفها بإضافتها إليه.
وذكر هنا: ((فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا)) [الأنبياء:٩١] وهناك ذكر ((فَنَفَخْنَا فِيهِ)) [التحريم:١٢].
قوله: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:٩١].
أي: جعلناها آية وجعلنا ابنها أيضاً آية، فهو سبحانه جعلهما من أعظم الآيات، {آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:٩١] وذلك أنها حملت بابنها من غير أب، فجعلناها آية كما كان آدم قبل ذلك آية من غير أب ولا أم، وكما كانت حواء آية من ذكر ليست من أنثى، فجعلنا المسيح ابن مريم آية أن جاء من أنثى ليس من ذكر، والله على كل شيء قدير، يخلق ما يشاء، خلق آدم من تراب لا ذكر ولا أنثى، فأوجده سبحانه وتعالى، وأوجد حواء من ذكر فقط، وأوجد المسيح عيسى ابن مريم من أنثى فقط، ويخلق ما يشاء سبحانه وهو على كل شيء قدير.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.