للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى قوله تعالى: (وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه)]

قوله تعالى: ((وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)) (على علم): جار مجرور، يتعلق بلفظ الجلالة الله سبحانه، أو بالضمير العائد إلى هذا الإنسان الذي يتكلم عنه (وأضله الله).

فلفظ الجلالة يعود على علم يعني: الله علم أن هذا لا يستحق إلا ذلك، فقوله: ((وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)) أي: أنه لا يستحق إلا ذلك، فالجار والمجرور يتعلق بهذا الإنسان بمعنى: أضله الله بعد أن أنذره، وبعد أن أخبره، وبعد أن بصره، وبعد أن أقام عليه الحجة، فلا أمل في هذا الإنسان أن ينجو، فأضله الله بعدما علمه سبحانه وتعالى الحق، ولكنه أصر على الباطل.

إذاً: الإنسان حين يبتعد عن دين الله عز وجل يبتعد عن الهدى فاستحق الغشاوة، واستحق الضلالة فأضله الله، وهذا قضاء الله وقدر الله الذي نؤمن به، أن الله عز وجل يهدي بفضله، ويضل بعدله، فمن يهديه الله عز وجل {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الجمعة:٤]، ومن يضله الله ذاك عبد الله، يفعل به ما يشاء سبحانه وتعالى، والعباد يتقلبون بين فضله وعدله سبحانه وتعالى، فقال لنا هنا: ((وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ))؛ لأنه لا يستحق إلا ذلك.

وقال تعالى: ((وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ)) الختم: الطبع على السمع فإذا به يسمع كمن لا يسمع، ويسمع ولا ينتفع، ويسمع ولا يصل هذا الذي يسمعه إلى قلبه، قال تعالى: ((وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً)).

جعل بصره لا يرى الحق، فكأنه يسير في ضلال، وفي مكان قد أغمض عينيه فيه ولا يعرف كيف يسير، والله سبحانه يقول: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد:١٧]، الذين آمنوا زادهم إيماناً، لكنَّ أهل الضلال طبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم، قال سبحانه: ((وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً)) (غشاوة): ما يغشي الشيء ويغطيه، فهنا ((وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً)) أي: لا يرى ببصيرته، ولا يرى بقلبه، فجعله كالأعمى الذي لا يرى أمامه شيئاً.

((وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً)) هذه قراءة الجمهور، وقرأ حمزة والكسائي وخلف: (وجعل على بصره غشوة) بمعنى: غطاء تغطية، على عينيه غشوة.

قال تعالى: ((فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ)) إذا أضل الله إنساناً لا يقدر أحدٌ أن يهديه؛ ولذلك قال لسيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦].

إذاً: كل إنسان يدعو إلى الله عز وجل عليه بالأخذ بالأسباب، والنتيجة ليست له، وإنما السبب فقط، وكم من نبي دعا قومه فلم يؤمن معه إلا القليل، هذا نوح قال الله عز وجل عنه: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:٤٠]، قلة من الناس آمنوا به بعدما دعاهم إلى الله سبحانه ألف سنة إلا خمسين عاماً! وقوله تعالى: ((أَفَلا تَذَكَّرُونَ)) هذه قراءة حفص عن عاصم، وحمزة والكسائي وخلف وباقي القراء يقرءون: (أفلا تذَّكَّرون) أصلها: تتذكرون، فخففت (تَذَكَّرون) وثقلت (تَذَّكرون) وأدغمت، فالمعنى فيها: يذكر فلا ينسى، أي: اذكر هذا الشيء الذي تعرفه، واذكر بمعنى: اعتبر واتعظ، أفلا تعتبرون؟ أفلا تتعظون؟ أفلا تحمدون الله سبحانه أن هداكم ودلكم على الطريق الصواب؟ وهذا هدى الله يهدي به من يشاء، هو أعلم من يستحق الهدى ومن يستحق الضلال، فاحمد ربك على ما أعطاك، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر كما أمرك الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>