للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين)]

قال الله تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية:٣] كأنه يقول لخلقه: انظروا إلى السماوات والأرض، وهذه الدعوة تكررت في كتاب الله عز وجل، أي: الدعوة إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض، قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الأنعام:١١] أي: سيروا في الأرض وانظروا عاقبة الأمم السابقة، كيف صنع الله عز وجل بهم، وقال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة:١٦٤] ذكرها في سورة البقرة، وكرر مثل ذلك في سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:١٩٠].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت عليه هذه الآية مع عشر آيات من آخر سورة آل عمران: (لقد أنزل علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها) فالمؤمن حين يقول له ربه: انظر، فلينظر إلى ما أمر الله عز وجل أن ينظر فيه، وإذا أمره أن يتفكر وأن يتذكر فليتعظ وليعتبر وليتفكر كما أمره الله سبحانه وتعالى.

وهنا يكرر هذا الشيء وهذا المعنى: {إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: الكل ينظر إلى السموات وإلى الأرض، والكل يعرف بديع هذا الخلق العظيم الذي حارت العقول في ذلك، ولكن المؤمن هو الذي يستدل أن هذا ما خلق عبثاً ولا سدى، وإنما له خالق أوجده وخلقه وأحسنه وأتقنه وأبدعه، ألا وهو الله سبحانه، وهو يصدق بما جاء من عند رب العالمين، ويصدق رسل الله عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين، فالمؤمن هو الذي ينتفع بهذه الآيات.

فأنت عندما تنظر إلى السماء لن تخترق السماء الدنيا بنظرك، وإنما ترى ما تحت هذه السماء الدنيا، ومع ذلك لا تدرك جميع ما تحت هذه السماء من مليارات النجوم والمجرات، وغيرها من آيات الله عز وجل، وكلما نظر الإنسان تحير وتعجب من قدرة الخالق العظيم سبحانه وتعالى، فازداد إيماناً فوق إيمانه.

إذاً: هذه الآيات ينتفع بها من صدق الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن تابعهم ومن آمن بكتب الله سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>