[معنى قوله تعالى: (أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال)]
ومن الأصناف الذين ذكرهم الله عز وجل في هذه الآية: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ} [النور:٣١]، والإربة أصلها: الحاجة.
والمقصود هنا: الشهوة، قال تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور:٣١]، وذلك مثل الرجل الشيخ الكبير والعجوز الذي لا شهوة عنده، أو الإنسان العنين، أو الإنسان المخنث خلقة، يعني: خلق وفيه خنوثة وتكسر، وفيه صفات الأنوثة وليس له في النساء حاجة.
فإذا بدأ أنه له في النساء ذلك لم يجز أن يدخل عليهن، قال تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ} [النور:٣١]، قال المفسرون: هو: الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء، يعني: المعتوه الذي ليس فيه شيء من العته، ولا شهوة فيه.
وقيل: العنين، وقيل: الإنسان المخنث خلقة، وقيل: الرجل يتبع القوم فيأكل معهم، ويرتفق معهم وهو ضعيف، يعني: في شهوته وفي علقه، ولا يشتهي النساء.
فإذا كان على هذا النحو بأن خلق لا شهوة فيه، أو بسبب مرض فيه جاز له أن يدخل مع رجال البيت على النساء، وأن يسأل أو يأكل أو نحو ذلك.
قال تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ} [النور:٣١]، فإذا بدا أن هذا الإنسان يفهم أمر النساء لم يجز له أن يدخل، ولذلك جاء في الحديث: (أن رجلاً كان مخنثاً وكان يدخل على بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسأل نساء النبي صلى الله عليه وسلم فيعطينه، وكانوا يرون أنه لا حاجة له في النساء ولا شهوة فيه، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم مرة وهو يتكلم في أمر النساء، وهو ينصح أخاً لإحدى أمهات المؤمنين، ويصف له امرأة ويقول: إذا فتح الله عز وجل عليكم ثقيفاً فعليك بابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان.
فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ألا أرى هذا يعلم ما هناك؟) يعني: يفهم أمر النساء، فمنعه ونفاه خارج المدينة أبداً؛ من أجل ألا يخدع الناس، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فنفي خارج المدينة، وكان يؤْذن له كل أسبوع ينزل المدينة يسأل الناس.
فهو لما كان معروفاً بين الناس أنه مخنث وأنه لا شهوة له في النساء كانوا يتركونه يدخل بيوتهم يسأل، فيعطونه ويطعمونه، ولما ظهر من كلامه أنه يفهم أمر النساء، ويصف امرأة بأنها فيها من الجمال وكذا وكذا، وعرف النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منعه من الدخول على بيوت النساء، ونفاه خارج المدينة، فكان بعد ذلك ينزل في كل أسبوع مرة، فيسأل الناس.
وفي قوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور:٣١] قراءتان: فقرأ ابن عامر وشعبة عن عاصم وأبو جعفر (غيرَ أولي الأربة من الرجال)، وقرأ باقي القراء بالجر فيها.