[جرح سعد بن معاذ في غزوة الأحزاب ودعاؤه بأن تقر عينه من بني قريظة]
وهنا كان سعد بن معاذ سيد الأوس أحد الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة، ليعرف منهم هل ما زالوا على العهد أم قد خانوا؟ فقدم هو وسعد بن عبادة الخزرجي وعبد الله بن رواحة وغيرهم، فلما قدموا على اليهود كان أشد المجموعة على اليهود هو سعد بن معاذ رضي الله تبارك وتعالى عنه، فسبهم وشتمهم، فسبوه وشتموه رضي الله تبارك وتعالى عنه.
وسعد بن عبادة قال: دعك منهم الآن فالأمر أكبر من ذلك، أي: ارجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لينظر في أمرهم.
وكان سعد بن معاذ قد أصابه سهم في هذه الغزوة، رماه به أحد المشركين، يسمى ابن العريقة، وكان رجلاً كافراً، فلما رماه قال: خذها وأنا ابن العريقة.
فأصاب السهم أكحله رضي الله عنه الله عنه، فجرحه جرحاً شديداً، ودعا سعد على من رماه فقال: عرق الله وجهك في النار.
ودعا ربه سبحانه تبارك وتعالى بدعوة عجيبة فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك صلى الله عليه وسلم، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
أي: إذا لم يكن هناك حرب مع قريش فاجعل الشهادة لي بهذا السهم الذي أصابني، وقبل ذلك أقر عيني من بني قريظة، هؤلاء الذين خانوا النبي صلوات الله وسلامه عليه.
واستجاب الله له دعوته، فالتأم الجرح، وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه هو الذي حكم في بني قريظة، ثم بعد ذلك إذا بالجرح ينفجر، فيموت سعد بن معاذ شهيداً من هذا الجرح رضي الله تبارك وتعالى عنه.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها عن اليوم الذي أصيب فيه سعد في أكحله: مر سعد وعليه درع مقلصة مشمر الكمين وبه أثر الصفرة وهو يرتجز.
وكان فارعاً في الطول رضي الله عنه، وكانت أطرافه خارجة من درعه لطوله رضي الله عنه وضخامة جسده.
فخافت عائشة أن يحصل له شيء من الكفار؛ إذ لو أرادوا أن يرموه فسيرمونه في أطرافه، فممكن أن يحدث له شيء رضي الله عنه، وكان وهو متوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يرتجز ويقول: لبث قليلاً يشهد اليهجا جمل ما أجمل الموت إذا حان الأجل وفعلاً أصيب بالسهم، فجاء في أكحله -في عرق في يده- فكان فيه استشهاده رضي الله تبارك وتعالى عنه، والناس قالوا: نرجو أن يكون قد استجيبت دعوته.
وفعلاً استجاب الله دعوة سعد بن معاذ رضي الله عنه، فمات شهيداً ولم تعد هناك حرب بين المسلمين وكفار قريش، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم بعدها: (الآن نغزوهم ولا يغزوننا).
أي: لن يأتوا إلينا، بل سنذهب نحن إليهم، وكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ففتحت مكة بعد ذلك، وصارت دار إسلام.