[تفسير قوله تعالى: (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة)]
يخبرنا ربنا سبحانه عن خلق الإنسان فقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر:١١] كل هذه الأشياء يسيرة وسهلة على الله سبحانه وتعالى، فبقول: كن يكون هذا كله.
وقد تكرر أن الله عز وجل خلق الإنسان من تراب في ستة مواضع من القرآن، ويخبر الله عز وجل الإنسان أنه مخلوق من تراب، فهذا أصل خلقته، من سلالة، أي: من خلاصة من طين، هذا هو بدء خلق الإنسان.
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} [الروم:٢٠].
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان:٥٤] فالله عز وجل خلقك من تراب ومن ماء، والاثنان يكونان الطين، وهذا الطين له صلصلة، فالله خلق الإنسان وأراه بدء خلقه كيف كان، وكيف صار هذا الإنسان.
وقد جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بها عن خلق هذا الإنسان من هذا التراب، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك).
فالله عز وجل خلق آدم من تراب الأرض، من قبضة قبضها من جميع الأرض، والله على كل شيء قدير، فخلق آدم من أنواع من تراب الأرض، هذا أبيض وهذا أحمر وهذا أسود، فجاء آدم من هذا كله، فجاء بنو آدم من هذه الأنواع.
وآدم جاء من هذه الأرض وفيها الأرض السهلية، وفيها الأرض الوعرة المرتفعة الصعبة، وخلق آدم من جميع ترابها، فبنو آدم منهم السهل ومنهم الصعب، ومنهم الحزن، ومنهم الخبيث ومنهم الطيب، والله يخلق ما يشاء سبحانه وتعالى.
وعناصر الإنسان من تراب الأرض كذلك؛ ولذلك يقول العلماء: إنهم وجدوا بالتحليل أن جسم الإنسان يتكون من مركبات وعناصر الأرض، فإذ قمنا بتحليل الإنسان فإن أكثره ماء، وفيه سكريات وبروتينات وفيتامينات وهرمونات وكلور، وأنواع من المعادن: كبريت، فسفور، مغنسيوم، كالسيوم، بوتاسيوم، صوديوم، حديد، نحاس، يود، ومعادن أخرى في خلق هذا الإنسان كلها موجودة في الأرض من عناصرها التي خلق الله عز وجل منها هذه الأرض.
ولذلك يقول العلماء: أن الإنسان يشترك في تركيبه مع الأرض في ثلاثةٍ وعشرين عنصراً من عناصر الأرض، وهو يطأ هذه العناصر بقدمه ويدوس عليها وهو مخلوق من هذه العناصر.
والأرض فيها ماء والإنسان أكثر جسده من ماء، وخلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من ماء؛ ولذلك من خمسة وستين إلى سبعين في المائة من جسم الإنسان مخلوق من الماء، والماء في هذه الأرض.
فيخبر الله سبحانه وتعالى بذلك، والإنسان يعرف أنه حين يموت يوضع في التراب، وإذا فُتح القبر بعد ذلك فلن يجد إلا تراباً، فقد رجع إلى أصله مرة ثانية، فالله خلقه من تراب وأعاده إلى الأرض مرة ثانية تراباً.
فهذا التراب تكون الإنسان منه ومن المعادن التي في هذا التراب، فكونت عظام الإنسان، وعضلاته، وعدسة عينه، وشعره، وضروسه، ودمه، فإذا تحلل الإنسان بعد موته تحلل إلى مكونات هذا التراب العجيب بنسب عجيبة وثابتة في كل إنسان.
فالإنسان يغتر في الدنيا، والله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:٦ - ٧] ولو أخذت هذه العناصر المكونة للإنسان لكونت منها علبة طباشير، وعلبة كبريت، ومسماراً صغيراً، هذه تركيبة المعادن التي في جسدك أنت أيها الإنسان، قال تعالى: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:٦]، فأنت من تراب، والذي كرمك هو الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {الذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:٧ - ٨] فلم تتكبر على الله خالقك سبحانه وقد خلقك من هذا التراب الذي تطؤه أنت بقدمك؟! قال سبحانه وتعالى هنا: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) إذاً: أصل تركيب الإنسان من هذا التراب، ثم بعد ذلك يتكاثر الإنسان ويتناسل عن طريق هذه النطفة.