[تفسير قوله تعالى: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)]
قال الله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:٢٧] أي: في النار والعياذ بالله، {يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:٢٧] أي: يتلاومون، ويتصايحون ويسب بعضهم بعضاً، ويدعو بعضهم على بعض، وكل إنسان ينسب إلى غيره الذي صنع.
قال بعضهم لبعض {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:٢٨] أي: قال الأتباع لكبرائهم الذين اتبعوهم في هذه الدنيا: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:٢٨]، واليمين فيه اليمن والبركة، والشمال كانوا يتشاءمون منه فقالوا: {كُنتُمْ تَأْتُونَنَا} [الصافات:٢٨] أي: من الجهة التي نحبها {عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:٢٨]، من طريق الدين فزينتم لنا الدنيا ودفعتمونا عن الدين العظيم، فلم ندر ما هو الدين ولم نتبع النبي صلى الله عليه وسلم.
واليمين أيضاً تطلق على القوة {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [الصافات:٩٣] أي: كنتم أقوى منا، وكنا ضعفاء فأتيتمونا من جهة الدين فصرفتمونا عن الدين، وأتيتمونا من جهة القوة فغلبتمونا وقهرتمونا، وأتيتمونا باليمين فأقسمتم لنا وحلفتم أنكم تنصروننا، وأنكم على الحق، وأنه ساحر كاذب، فخدعتمونا في الدنيا، ونهيتمونا عن شريعة ربنا سبحانه وتعالى، وصرفتمونا عن الخير إلى الشر.
فيرد الكبراء على هؤلاء: {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الصافات:٢٩] أي: أنتم لم تكونوا مؤمنين أصلاً حتى تزعموا أننا صرفناكم عن الهدى والدين، وأسر الكبراء الندامة في أنفسهم قال تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} [يونس:٥٤].
{وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [الصافات:٣٠] أي: لم تكن معنا حجة ندعوكم إليها وإنما مجرد أن دعوناكم اتبعتمونا، {بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} [الصافات:٣٠]، والطاغي: هو الذي جاوز حده، {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} [الحاقة:١١] أي: جاوز حده فلم يقدروا على منعه، وكذلك الإنسان الطاغي هو الذي جاوز حده ولم يقدر أحد أن يمنعه عما يقوله، أو يقع فيه من الكفر بالله سبحانه وتعالى.
{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} [الصافات:٣١]، (قول ربنا) أي: كلمته.
(إنا لذائقون) أي: كنا داخلون في العذاب والعياذ بالله.
قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:١٧١ - ١٧٣]، فالله سبحانه سبقت كلمته، وحقت كلمته أن على المؤمنين ينصرهم و {حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر:٧١].
فالله سبحانه وتعالى قضى أن يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين، وقضى سبحانه أن يعذب أهل الكفر وأهل الفجور وأهل المعاصي فقال: {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:١١٩]، فاحتج هؤلاء يوم القيامة وقالوا قدرنا أن {حَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ} [الصافات:٣١ - ٣٢] أي: صرفناكم عن الرشد إلى الغي، وأضللناكم، وخدعناكم عن الإيمان، {إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} [الصافات:٣٢] أي: إنا كنا ضالين فأضللناكم وصرفناكم عن طريق الله سبحانه.
يقول الله سبحانه: {فَإِنَّهُمْ} [الصافات:٣٣] أي: الأتباع والمتبوعون، {يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الصافات:٣٣] أي: العذاب مقسم عليهم فكل إنسان يأخذ نصيبه مما استحق من غضب الله جزاء وفاقاً.
قال سبحانه: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [الصافات:٣٤] أي: إن كل من أجرم وعصى ربه سبحانه وخرج عن طريق الله سبحانه وأشرك به وكفر يستحق هذه العقوبة.