{وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ}[الزخرف:٥٨] أي: أآلهتنا خير أم عيسى بن مريم؟ فأنت تقول: أن المسيح عيسى بن مريم خير ولا شك في ذلك، فإذا كان هو خير فهو في النار على حسب قولك، قال الله عز وجل:{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا}[الزخرف:٥٨]، أي: يجادلون بالباطل ويتعامون عما يفهمونه ويعرفونه والمسيح لم يرض بأن يعبد من دون الله، وكذلك اليهود فقد زعموا أن عزيراً ابن الله وهو لم يرض بذلك قالت اليهود:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}[التوبة:٣٠] فاليهود كذبوا على عزير والنصارى كذبوا على عيسى، قال سبحانه:{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا}[الزخرف:٥٨] أي: للجدل فقط، وهم يعرفون الفرق بين:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ}[الأنبياء:٩٨](وإنكم ومن تعبدون) يعرفون ذلك ولكن يجادلون بالباطل، ويعرفون الفرق بين من رضي بأن يكون إله وطلب ذلك مثل فرعون، وبين من لم يرض بذلك وقال أنا عبد لله كالمسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فهم ما ضربوه لك إلا جدلاً.
{بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[الزخرف:٥٨]، والإنسان الخصم: هو المخاصم الشديد الخصومة المجادل الكثير الجدل بالباطل، وهذا بغيض إلى الله عز وجل، والله عز وجل يبغض من الرجال الألد الخصم، الألد هو اللدود شديد العداوة والخصومة، والذي يحب أن يجادل كثيراً، ويحب أن يظهر أنه يجيد الكلام، وأنه على ثقافة عالية، وأنه يجيد القول، فهذا بغيض إلى الله بغيض إلى الناس، فكان الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحال ولذلك قال النبي صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي أمامه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) ثم تلا هذه الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[الزخرف:٥٨] فالإنسان وهو على الهدى يعبد ربه سبحانه تبارك وتعالى ويريد أن يرضي ربه فلا يوجد لديه وقت فهو يريد أن يرضي ربه سبحانه بحسن خلقه وبحسن عبادته، وكلما ابتعد الإنسان عن ربه كلما وجد نفسه فارغاً فالذي لا يعبد ربه يعبد الشيطان ويتقرب إلى الشيطان بما يرضيه فإذا به يجادل بالحق أو بالباطل والمهم أن يظهر أمام الناس أنه يجيد الكلام، (فما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)، فإذا وجدت إنساناً كثير الجدل يريد أن يناقش، ويريد أن يجادل ويتكلم ويرفع صوته اعرف أن هذا الإنسان بعيد عن الهدى، فلم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم كثرة الجدل ولا كثرة الكلام صلوات الله وسلامه عليه، وقد أوتي جوامع الكلم فكان يتكلم بالكلام البسيط الذي يحفظ عنه صلوات الله وسلامه عليه، وما كان يجلس ليناقش ويجادل مع القوم بل كان العرب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم وفوداً ومع كل وفد يأتي شعراء القبيلة وخطباؤها ويقفون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ويتكلم الخطيب بخطبة طويلة ويقول الشاعر شعره فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يرد على مثل ذلك وكان يأمر من أصحابه من يرد، فمن طبعه عليه الصلاة والسلام أنه معرض عن الجدل، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يدخل في ذلك من باب المباهاة التي كانت عند العرب فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر ثابت بن قيس بن شماس أن يجيب خطيبهم فكان يجيبه ويفحمه رضي الله تبارك وتعالى عنه وكان يأمر حسان بن ثابت أو غيره من الشعراء أن يرد على شاعرهم فكان يرد فيغلبهم بذلك أما هو صلى الله عليه وسلم ما كان يدخل في ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) قيل وقال: أي: كثرة الكلام فالإنسان الذي يتكلم كثيراً ليظهر نفسه أنه يجيد الكلام كرهه الله، فلو أن الإنسان وزن ما يقوله هل بكلامه هذا يرضي ربه؟ أم أنه يرضي نفسه بذلك؟ فالمجادل يرضي نفسه؛ لأن عنده حب شهوة الكلام فيرضي نفسه ويطمئن قلبه بذلك، أما الإنسان المؤمن فيرضي ربه بكلامه ويرضي ربه بسكوته فإذا تكلم تكلم بذكر الله سبحانه تبارك وتعالى وإذا سكت كان ذاكراً لله في لسانه وفي قلبه، ويعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الله عز وجل يخبر عن عبده:(إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)، فالمؤمن هذه حاله.
قال الله سبحانه تبارك وتعالى عن هؤلاء المشركين:{بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[الزخرف:٥٨] أي: مجادلون بالباطل محبون لهذا الجدل.