[تفسير قوله تعالى:(وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونآى بجانبه)]
قال تعالى:{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ}[فصلت:٥١]، وهذه طبيعة وخصلة في الإنسان إلا من رحمه الله سبحانه وتعالى، فإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجنبه، أي: مال بجانبه، وصرف وجهه، قال:{أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ}[فصلت:٥١]، وكأنه للتأكيد على ذلك؛ لأن أعرض أي: مال بجانبه، ونأى أي: مال فأكثر من الإمالة، ونأى الإنسان أي: ابتعد ومال عن ربه سبحانه وتعالى، وأعرض أي: أعطاه ظهره، فالمعنى: أنه مال بجانبه عن طاعة الله سبحانه وتعالى.
وهذه الآية فيها قراءتان:{َنَأى بِجَانِبِهِ}، وهذه قراءة الجمهور، بمعنى: مال بجانبه، و (نَاء بِجَانِبِه) بمعنى: بعد، وهذه قراءة ابن ذكوان وأبي جعفر، فعلى قراءة:{نأى بِجَانِبِه}[فصلت:٥١]، فيها التقليل والإمالات لأصحاب التقليل والإمالات، فيقرؤها الأزرق عن ورش بالفتح والتقليل، ويقرؤها خلف عن حمزة والكسائي بإمالة النون وبإمالة الهمزة أيضاً، ويقرؤها خلاد عن حمزة {وَنَأى بِجَانِبِهِ}[فصلت:٥١] والمعنى على ذلك: إن الإنسان يميل بجانبه، أو يبعد بجانبه، والمعنى: تأكيد إعراض الإنسان عن ربه عندما يرى نفسه في رخاء، فتأمل حال الكثيرين من الناس في وقت الرخاء تجدهم معرضين عن الله، وإن زعموا أنهم قريبون من الله ففي وقت البلاء تجده مقبلاً على الله يدعوه، مصلياً متقرباً إلى الله بأنواع الطاعات، وأما وقت الرخاء فإنه ينسى نفسه وينسى ربه، وإن زعم أنه قريب منه، فيترك الصلاة بالكلية، ويبطر فيما آتاه الله، ويجالس أصدقاء السوء، ويذهب إلى الملاهي، ويفعل ما حرم الله سبحانه تبارك وتعالى؛ إعراضاً عن الله سبحانه، وينأى بجانبه عن ربه سبحانه.
قال سبحانه:{وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ}[فصلت:٥١] أي: عندما نؤدبه بشيء من البلاء فإنه يرجع، كما قال الله:{فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ}[فصلت:٥١] أي: ينادي: يا رب يا رب، يا رب يا رب، ويرفع يديه إلى الله، ويطيل في الدعاء، وفي سؤال ربه سبحانه، أما في وقت الرخاء فإنه ينسى الله ويعرض عنه، فإذا أصابه البلاء دعا ربه سبحانه، وهذا قد يستجيب له ربه وقد لا يستجيب له.
وإذا أردت أن يستجيب الله لك في وقت بلائك، فأكثر من الدعاء في وقت رخائك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من سره أن يستجاب له في وقت البلاء فليكثر من الدعاء في الرخاء) فأكثر من دعاء الله عز وجل في وقت الرخاء، وعود نفسك على أن تستمتع بالدعاء، وعلى أن تستشعر الذل بين يدي الله عز وجل، وأنك محتاج إليه، فإن الدعاء نعمة، فارفع يديك إلى الله، وادعه سبحانه تبارك وتعالى وإذا كان أكثر دعائك بالآخرة فقد من الله عز وجل عليك من فضله وكرمه، فمن الناس من تشغلهم الدنيا، ومنهم:{مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}[البقرة:٢٠٠] فكل همه سؤال الدنيا، وليس له نصيب في الآخرة.
إذاً: على المؤمن أن يكثر من الدعاء في كل وقت، وأما الفاجر والشقي والكافر فإنه لا يذكر ربه إلا في وقت البلاء، فإنه يكون حينئذ ذا دعاء عريض وطويل، فهو يكثر منه في وقت البلاء.