كما ذكرنا أنه يجعل الليل يطول فيقصر النهار، ويجعل الليل بارداً والنهار حاراً، ويجعل الليل مظلماً وقد يكون منيراً، ويجعل النهار مضيئاً وقد يظلمه بسحاب، فيقلب أرزاق العباد بين الليل والنهار، ويقلب حالاتهم من نوم وغيره بالليل والنهار.
قوله:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ) أي: هذه عبرة وعظة لأولي الأبصار، فينظرون كيف يقلب الله الليل والنهار، ولو شاء لجعل الليل سرمداً إلى يوم القيامة، قال تعالى:{مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ}[القصص:٧١]، فلو أنه فعل ذلك فمن سيقدر أن يأتي بالضياء، ولو شاء الله لجعل النهار سرمداً إلى يوم القيامة، وقال تعالى:{مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ}[القصص:٧٢]، فجعل الليل سكناً، وجعل فيه النوم سباتاً، وجعل النهار فيه معاشاً، فالإنسان يحتاج إلى أن يستريح، وقد يقول الإنسان: أنا أستطيع أن أظل بغير نوم لمدة ثلاثة أيام، ويحاول هذا الشيء ويجد في النهاية أنه يستسلم للنوم ولا يقدر على هذا الشيء، وإلا فإنه يتعب ويموت في النهاية، فالله عز وجل جعل الليل والنهار، وتقلب العباد واحتياجهم لليل والنهار والنوم والعمل عبرة لأولي الألباب والأبصار، فيعلمون أنهم محتاجون لربهم سبحانه، ومحتاجون إلى فضله ورحمته جل وعلا، فيحتاج الإنسان إلى رزقه فيقول: يا رب! ويحتاج إلى صحته وعافيته فيقول: يا رب!، ويحتاج إلى نومه فيقول: يا رب! ولا يشعر بحاجته إلا حين يفقدها، وعندما تجد نفسك أرقت ليلة ثم ليلة أخرى فتصير كالمجنون، ولا تعرف كيف ينام! فتقول: يا رب! اجعلني أنام، وتقوم بشرب المسكنات والمنومات، لكي تجد النوم، فالله عز وجل صاحب الفضل العظيم على الإنسان، فهو الذي يجعلك تنام بالليل، والإنسان يريد أن يعمل وفجأة يمرض، فيقول: يا رب! اشفني أريد أن أعمل، وأريد أن آكل، وأريد كذا، ولا يعرف فضل الله عز وجل ونعمته عليه، فلا يشكره على هذه النعمة إلا حين يبتليه الله سبحانه بفقدان هذه النعمة، فالإنسان المؤمن دائماً يتذكر ويبصر ما بصره الله عز وجل به.