قوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ}[الحج:٢٥] قلنا: الإلحاد: هو الزيغ والميل عن طاعة الله سبحانه، والدخول في المعاصي وأعظمها الشرك بالله سبحانه، وجاء عن الصحابة في تفسير (من يرد فيه بإلحاد) تفسيرات كلها تعود لهذا المعنى، فيقول ابن عباس رضي الله عنه:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ}[الحج:٢٥] قال: الشرك، وهذا نوع من أنواع الإلحاد في البيت الحرام، والشرك سواء في المسجد الحرام أم في غيره فهو لا يغفره الله عز وجل إلا أن يتوب العبد ويراجع التوحيد، فالذي يذهب للمسجد الحرام ويدعو غير الله عز وجل يستحق هذه العقوبة الشديدة.
قال عطاء: الشرك والقتل، يعني: الذي يلحد في الحرم هو الذي يقتل مظلوماً أو يشرك بالله عز وجل، وقيل: بل معناه صيد الحمام، وقطع شجر الحرم، ودخول الإنسان غير محرم، وهذه كلها من المعاصي التي قد يفعلها الإنسان، فيذهب مسافراً إلى مكة ثم يدخل الحرم بغير حج ولا عمرة، وكأنه يستهين بهذا المكان الذي شرفه الله سبحانه وعظمه، ولا يرى عليه لله عز وجل حقاً أن يدخل هذا المكان محرماً.
ومثله الذي يستهين فيصيد حمام الحرم أو يقطع شجرة مستهيناً بالعقوبة في ذلك المكان، فصيد الحمام وقطع الشجر في ذلك المكان من الإلحاد بظلم، فكيف بالإنسان الذي يظلم أخاه المؤمن؟! قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نتحدث أن الإلحاد فيه أن يقول الإنسان: لا والله، وبلى والله.
فكلام ابن عمر يدل على أنه بمعنى اللغو في الكلام، فالمقام العظيم في المسجد الحرام يمنع الإنسان أن يتكلم باللغو أو بغير ما ينبغي عليه.
ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنه يجعل لنفسه فسطاطين، أي: خيمتين، خيمة في الحل وخيمة في الحرم، فإذا أراد أن يأتي أهله ويتكلم معهم في أمور الدنيا ذهب إلى الخيمة التي في الحل، وإذا أراد العبادة ذهب إلى الحرم، ولا يخلط بين هذه وتلك، وهذا من ورع ابن عمر رضي الله عنه.
ومثله أيضاً عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه حيث كان له فسطاطان: أحدهما في الحل، والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، وإذا أحب أن يؤدب عياله أدبهم في الخيمة التي في الحل، وإذا أراد أن يصلي صلى في خيمة الحرم، فقيل له: لماذا تفعل هذا الشيء؟ فقال عبد الله بن عمرو: إنا كنا لنتحدث أن من الإلحاد في الحرم أن نقول: كلا والله، وبلى والله، يعني: المنازعة في الكلام، فخاف عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم من الوقوع في ذلك في الحرم.