[فضل إبراهيم عليه السلام]
إن إبراهيم هو أبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وهو خليل الرحمن، والخليل: القريب والحبيب، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام اتخذه الله خليلاً، كما قال في كتابه: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:١٢٥]، وقال سبحانه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:١٢٠]، وقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:١١٤]، وقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:٧٥]، وما أعظم صفات إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فهي صفات يذكرها الله عز وجل لنا في القرآن؛ حتى نأتسي ونقتدي بهذا النبي العظيم عليه الصلاة والسلام فيها.
فقد اتخذ الله إبراهيم خليلاً، ولا يحتاج الله لخليل من البشر، فاختاره واصطفاه خليلاً، أي: أحب الأحبة وأقرب المقربين، فإبراهيم كان خليلاً لله سبحانه وتعالى، فـ (خليل) مأخوذ من الخلة، يقال: فلان خليل لفلان، كأنه تخللت محبته إلى قلبه، أي: دخلت المحبة في القلب واخترقته وتخللته.
فإبراهيم خليل الرحمن، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم وصل إلى هذه الدرجة العظيمة فهو خليل الرحمن، كما قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكني خليل الله أو خليل الرحمن)، سبحانه وتعالى.
والخليل أعظم من الحبيب، فهو أقرب الأحبة، وقد كان إبراهيم خليلاً للرحمن بصبره، ولذلك قال الله عز وجل عنه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّة} [النحل:١٢٠] أي: وحده، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقد اجتمعت في إبراهيم من الصفات ما لا تجتمع إلا في أمة كاملة، واستطاع وحده أن يقوم بهذه الصفات، فقد ابتلاه الله عز وجل فصبر على هذا البلاء، فابتلاه في القريب، وابتلاه في أبيه، وابتلاه في ابنه، وابتلاه في زوجه، وابتلاه في بلده أن يهاجر من بلده إلى بلد أخرى، وفي كل ذلك يصبر راضياً محتسباً على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
يقول الحافظ في الفتح: إبراهيم بالسريانية معناها: أبٌ راحم أو أب رحيم، إذاً: فإبراهيم هو الأب الرحيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، قال: والخليل: فعيل من فاعل، بمعنى: فاعل، وهو من الخلة بالضم، وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلالاً، وهذا صحيح بالنسبة إلى ما في قلب إبراهيم من حب الله سبحانه وتعالى، أما إطلاقه على الله عز وجل فهو من باب المقابلة، إذاً: كأن إبراهيم الخليل تخلل حب الله عز وجل في قلبه، وامتلأ قلبه بحب الله؛ فأحبه الله سبحانه وتعالى.
وقالوا الخلة: أصلها الاستصفاء، أي: ينقيه ويختاره، وسمي بذلك لأنه يوالي ويعادي في الله سبحانه وتعالى، يقول: قصر حاجته على ربه وانقطع لله سبحانه وتعالى، فهي من الخلة وهي بمعنى الحاجة أيضاً، أو بمعنى: انقطاع الحاجة إلى الله سبحانه، أو قصر الحاجة إلى الله، ولذلك مما روي: أنه لما أراد الكفار إلقاءه في النار وجاءه جبريل يسأله: ألك إلي حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، حاجتي إلى الله سبحانه وتعالى، فكان قضاء الله أسرع بإبراهيم، حيث قال الله للنار: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩]، فكانت برداً وسلاماً عليه، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وكذلك قال الله فيه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:١٢٠]، يعني: وحده جمع خصالاً من خصال الخير لا تجتمع إلا في أمة، فكانت في إبراهيم وحده عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:١٢٠]، والقانت: هو الخاشع والمذعن والمطيع والمتواضع لله رب العالمين، والعابد لله قوله تعالى: {حَنِيفًا} [النحل:١٢٠] أي: ترك كل الملل الباطلة وحنف عنها، أي: مال عنها إلى دين رب العالمين، فصارت الكلمة تطلق على الاستقامة، أي: المستقيم على دين رب العالمين، وأصل كلمة الحنف: الميل، يقال: فلان حنيف بقدمه أو برجله، فكلمة حنف بمعنى: اعوجّ، ولكن إبراهيم لكونه مال عن ملل الكفار واستقام على دين الله وصف بأنه حنيف عليه الصلاة والسلام.
ومن صفاته الحسنة في القرآن قول الله عز وجل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:١١٤] أي: يحلم ولا يتهور ولا يتعجل عليه الصلاة والسلام، وأواه أي: كثير التأوه والخوف والبكاء من خشية الله، فكأن أصلها من (أوه) (يتأوه) أي: يبكي بصوت من خوف الله سبحانه وتعالى.
إن هذه الصفات الكثيرة التي يذكرها الله لإبراهيم دليل على عظمة شأن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام.