للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وهم يصطرخون فيها)]

يقول الله سبحانه: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:٣٧] أي: وهم يصرخون، والإنسان إذا كان في مكان ويريد من أحد أن ينقذه يصرخ ويعلي صوته، فإذا بالغ في الصراخ فهو يصطرخ.

فالإنسان الصارخ: هو الذي يرفع صوته مستغيثاً، والصريخ المغيث الذي يغيثه، {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} [يس:٤٣] أي: لا أحد يغيثهم وهم في النار، ((وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا)) قائلين: ((رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)) أي: من الأعمال الطالحة، أخرجنا نعمل أعمالاً صالحة، فيقول لهم: ((أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ)) ألم تعيشوا في الدنيا، وأعطيناكم أعماراً؟ عشتم في الدنيا ثلاثين سنة، وأربعين سنة، وستين سنة، ومائة سنة، هل انتفعتم بهذه الحياة وبهذا العمر الذي عمرتموه؟ أولم نعمركم عمراً علمتم فيه الحق من الباطل، وخبرتم فيه نبيكم صلوات الله وسلامه عليه وعرفتم صدقه؟ أولم نعمركم عمراً يتذكر فيه وفي مثله من تذكر؟ فقد تذكر هؤلاء المؤمنون فدخلوا الجنة؛ لأنهم تذكروا واستحقوا جنة الخلود، ((وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ)) أي: الإنذار من عند الله سبحانه، والنذير هو كتاب ربنا القرآن العظيم، والرسول صلوات الله وسلامه عليه، والقرآن رأوا فيه عبر وعظات في هذه الدنيا، فيما حل بالأمم السابقة من نكبات، وما أحل الله عز وجل بهم من نقمات.

فجاءكم النذير ينذركم: احذروا أن تكونوا مثل قوم نوح أو قوم عاد أو قوم ثمود أو أصحاب الأيكة، أو قوم تبع أو غير ذلك ممن أهلكهم الله، ألم يأتكم نذير من عند الله سبحانه، ينذركم ويخوفكم من ذلك؟ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فلم تنتفعوا؟ ((فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)) أي: لا أحد ينصر الظالمين يوم يحكم الله عز وجل بالعدل بين العباد فيدخل من يشاء جنته برحمته، ويدخل من يشاء النار بعدله وحكمته.

نسأل الله سبحانه أن يغفر لنا وأن يتوب علينا، وأن يدخلنا الجنة وأن ينجينا من النار بفضله ورحمته وهو أرحم الراحمين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>