[تفسير قوله تعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا)]
قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:٦٧]، أي: وسطاً، فلا يسرفون أو يبذرون فيكونون من إخوان الشياطين، ولا أنهم يقصرون ويفرطون في الإمساك فيكونون بخلاء مذمومين، وإنما كما قال الله عز وجل: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء:٢٩]، أي: لا تجمع يدك إلى عنقك، -وهذا كناية عن التقتير والبخل- ولا تسرف في كل شيء فتضيع مالك وأهلك، فلا تسرف ولا تقتر، وكن وسطاً بينهما.
فكان من صفاتهم: أنهم: {إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} [الفرقان:٦٧]، أي: لم يعطوا الكثير ويجلسون ولا شيء معهم، {وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان:٦٧]، من التقتير بمعنى: التضييق والبخل، وفيها ثلاث قراءات {وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان:٦٧]، وهذه قراءة الكوفيين: عاصم وحمزة والكسائي وخلف، من الفعل الثلاثي قتر، وقراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب: ((وَلَمْ يَقْتِرُوا)).
فهاتان قراءتان من الفعل الثلاثي قتر، وقراءة من الفعل الرباعي أقتر، وهي قراءة نافع المدني وأبي جعفر المدني أيضاً، وقراءة ابن عامر الشامي: ((وَلَمْ يُقْتِرُوا))، فهذه ثلاث قراءات، والمعنى واحد وهو: أنهم لا يبخلون، بل ينفقون في ما أحب الله سبحانه وتعالى.
يقول المفسرون في ذلك: إن من أنفق في غير طاعة الله سبحانه فهو مسرف.
يعني: أن الإنفاق في معصية الله إسراف، والإمساك عن الإنفاق في طاعة الله سبحانه وتعالى بخل، فمن لا يدفع زكاة ماله، ولا ينفق النفقة الواجبة عليه، ولا يحسن إلى من أمر أن يحسن إليه فهذا مقتر، وأما من أنفق في طاعة الله سبحانه وتعالى مهما كثرت فهو محسن، وهذا هو القوام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: من أنفق مائة ألف في حقٍ فليس بصدقة.
أي: كأن يحسن إلى الناس وإلى ذوي القربى، وينفق المال الكثير في حق، فهذا ليس إسرافاً.
ولذلك لما أنفق أبو بكر الصديق ماله كله لم يعتبر ذلك إسرافاً، ولكن كان إحساناً من أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه.
يقول ابن عباس: ومن أنفق درهماً في غير حقه فهو إسراف.
فمن أنفق ولو شيئاً يسيراً في باطل، كأن يشتري به سيجارة أو خمراً، أو شيئاً يعصي به الله سبحانه وتعالى، أو شيئاً حرمه الله عز وجل فهو مسرف، مع أنه قد يكون مالاً قليلاً.
يقول ابن عباس رضي الله عنه: ومن منع من حق عليه فقد قتر.
أي: الذي يمنع الحق الواجب عليه، كأن يترك عياله من غير طعام ولا شراب ولا كسوة ولا سكن وينفق على الغريب فهذا إنسان مقتر.
فعباد الرحمن إذا أعطاهم الله سبحانه مالاً أنفقوه في الحق الذي أراده الله سبحانه، وينفقون النفقة الواجبة، وينفقونه إحساناً منهم، ولا ينفقون في معصية الله سبحانه، ولا يقترون، بل هم قوام أي: وسط بين ذلك.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباد الرحمن.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.