[مكة هي أم القرى]
قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى) وقد ذكرنا أن في كلمة (قرآن) قراءتين: قراءة ابن كثير: (قراناً عربياًً)، وقراءة باقي القراء: (قرآناً) بالهمزة.
قال تعالى: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى) أم القرى مكة، وكأن مكة أصل، وأم الشيء أصله، كما تقول: أم الدماغ، أي: أصل الدماغ، وأم الكتاب: أصل الكتاب.
فأم الشيء أصله، وكذلك مكة كأنها أصل القرى، وأفضل القرى، وأحب البلاد إلى الله سبحانه وتعالى، ومركز الدنيا جميعها.
وقد سماها الله عز وجل في القرآن مكة وسماها بكة؛ لأنها تبك أعناق الجبابرة، وتمك بمعنى: قليلة المياه.
أما لماذا سميت أم القرى؟ فقد ذكر المفسرون أن الأرض دحيت من عندها، أو من تحتها، فكانت كالأصل وباقي البلاد حولها.
وهذا الكلام الذي يقوله المفسرون في الماضي يؤيده العلماء في الحاضر، فيقولون: إن سرة الأرض وأوسطها هي مكة.
فقبل أن تكتشف الأمريكتان، وبعد أن اكتشفت أمريكا وأستراليا، فمكة هي مركز الدنيا وأصل الأرض.
وهنا تتعجب عندما أن تسمع كلام هؤلاء العلماء في أمر مكة، فهذا عالم من العلماء المصريين اسمه: الدكتور حسين كمال الدين؛ يثبت هذا الشيء من غير قصد، فبينما هو يعمل خريطة من الخرائط من أجل أن يوضح القبلة في كل بلد من بلدان المسلمين، وخاصة المغتربين الذين يخرجون من بلادهم ويذهبون إلى بلاد أوروبا وأمريكا وغيرها، ويريدون أن تحدد لهم القبلة، وفجأة يحط البرجل على مكة ثم حركه إلى الطرف الثاني، وإذا به يدور ومركز البرجل في مكة، ويحيط بالدول جميعها.
ثم رجع بعد ذلك يرسم الخريطة ثانية من غير أن يحط فيها أستراليا، وقبل اكتشاف أستراليا وأمريكا رسم خريطة الماضي، ووضع البرجل في مكة وحركه فوجد مكة هي منطقة الوسط ومركز العالم كله، العالم القديم والعالم الحديث.
فهي أم القرى هذه البلدة العظيمة التي أنزل الله عز وجل القرآن فيها على النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه؛ لينتشر النور من مركز الأرض إلى جميع أنحاء الدنيا.
وكالة (ناسا) كانت قد نشرت صورة في وقت من الأوقات، وبعد مدة لم تظهر هذه الصورة مرة ثانية، وفي هذه الصورة يرى من الفضاء أنه أكثر مكان في الأرض يشع نوراً سواء بالليل أو بالنهار كانت مكة والمدينة.
وقال عالم مسلم: إن أحد العلماء الأمريكان في علم الجغرافيا يحقق في وجود هذه البلدة ومطلعها الجغرافي من غير أن يدفعه شيء عقدي، إذ ليس مسلماً، ومن المعلوم أن كل كوكب خلقه الله عز وجل يخرج منه إشعاع إلى الكوكب الآخر ثم من الكواكب المحيطة إلى الأرض.
فتوصل هذا العالم الأمريكي في أبحاثه إلى أن مركز تلاقي الإشعاعات الكونية التي تخرج من النجوم ومن الأفلاك المحيطة بنا في مكة.
وهذا شيء عجيب جداً أن تكون مركز تلاقي النور من السماء، وينزل القرآن في هذا المكان ليشع نوراً إلى بلاد الدنيا؛ ليكون النبي صلى الله عليه وسلم للعالمين نذيراً، ويتعجب هذا الرجل وهو يذكر أن هذه البلدة عجيبة، فالذي يذهب إليها يتعلق قلبه بها، وينجذب إليها، فهي مركز جذب يجذب إليه الكواكب الآخر، ويجذب إليه قلوب المؤمنين.
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) يبدأ في الإنذار بأم القرى، ثم تتسع الدائرة إلى أن يشمل الدنيا كلها فيدخلها دين الله تبارك وتعالى بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله عز وجل الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله عز وجل به الكفر وأهله.
ومن الأحاديث الصحيحة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك).
وروى الترمذي وأحمد وغيرهما عن عبد الله بن عدي بن حمراء قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً على الحزورة فقال: والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله).
فهي أحب البلاد إلى الله، وأحب البلاد إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولولا أنه أوذي فيها الأذى الشديد فأمره الله عز وجل بالهجرة إلى المدينة لما خرج صلوات الله وسلامه عليه وما تركها، وإنما هي الدعوة إلى الله، فحيث يأمره الله عز وجل بالتوجه ليدعو إليه سبحانه وتعالى يمتثل.