قال الله عز وجل:{وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}[فصلت:٤٥]، وبمعناها قوله تعالى في سورة الشورى:{وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}[الشورى:٢١]، قوله:(لولا) عدة من الله أي: وعد من الله سبحانه أن يؤخر عقوبة العباد إلى يوم المعاد، وأن يجازيهم يوم القيامة على أعمالهم ولا يستأصلهم في الدنيا، ولولا أنه سبق لفعل الله بهم ما يستحقون من العذاب في الدنيا قبل الآخرة، وإنما سبقت هذه الكلمة من الله لحكمة منه سبحانه تبارك وتعالى، ولبيان أن هؤلاء المشركين أبا جهل وأمثاله يستحقون العقوبة في الدنيا، فالله عز وجل يذكر أنه وعد أن يؤخر العذاب ليوم القيامة وإلا لاستحقت قريش كلها أن يستأصلها الله سبحانه تبارك وتعالى إلا من آمن منهم.
إن الله بحكمته سبحانه، وبعلمه سبحانه، وبقضائه وقدره قدر أن يكون هؤلاء كفاراً وأن يخرج من أصلابهم من يعبد الله كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه بذلك، فـ أبو جهل زعيم المشركين وفرعون هذه الأمة لعنة الله عليه كان ابنه عكرمة بن أبي جهل ممن آمن وأسلم ودخل في دين الله سبحانه تبارك وتعالى، وابنته فاطمة بنت أبي جهل أيضاً أسلمت وقد أراد قومها أن يزوجوها من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:(لا تجتمع فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم مع بنت أبي جهل)، فعلم أنه لا يصح أن يجمع علي بين فاطمة بنت النبي وفاطمة بنت أبي جهل، وكان له الخيار أن يتزوج إحداهما؛ لأن ما تعرضت له فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها من أذى طول حياتها مع النبي صلى الله عليه وسلم كان كافياً، فقد كانت تؤذى وترى الأذى في أبيها صلوات الله وسلامه من قومه فتخرج لتدفع عنه أذاهم، وقد جاءوا ذات مرةٍ بسلا جزور ووضعوه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد عند الكعبة، وظل على ظهره حتى أزالته فاطمة رضي الله عنها، وليس ذلك البلاء فحسب فقد ماتت أمها في حياتها، ومتن أخواتها في حياتها، ومات إخوانها في حياتها، وبقيت هي، أفبعد كل هذا الابتلاء تبتلى بأن يتزوج علي عليها؟! فمثل ذلك لا ينبغي أن يكون، ولا يصح أن تجتمع فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم مع بنت أبي جهل عند علي رضي الله تبارك وتعالى عنه.
والغرض بيان أن الرجل المجرم أبا جهل كان كافراً، وكان في صلبه بقضاء الله من كان بعد من المسلمين، ومثل أبي جهل الوليد بن المغيرة فإن ابناه خالد بن الوليد وهشام بن الوليد مؤمنان، ومثلهما: العاص بن وائل فقد كان ابنه عمرو بن العاص رضي الله عنه مؤمناً، فالله قدر أن يخرج من أصلاب هؤلاء الكفرة المجرمين من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، فقد سبق الوعد من الله أنه لا يستأصل هؤلاء جميعهم وذرياتهم، وإنما يحلم ويصبر سبحانه تبارك وتعالى، وإن عاقب البعض ترك البعض ليكون من أصلابهم وذرياتهم من يعبد الله سبحانه.