للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اصطفاء الله سبحانه لموسى عليه وسلم بالرسالة إلى فرعون وملئه]

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة القصص: {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ * وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [القصص:٣٣ - ٣٧].

لما ذكر الله سبحانه وتعالى كيف أنه أوحى إلى موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وهو بالوادي المقدس طوى، وأن الله سبحانه وتعالى أراه آيات؛ ليربيه ويمرنه على الشجاعة وعدم الخوف من فرعون، وعلى أن يتشجع في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ففي هذا الوقت الذي أوحى إليه كان موسى عليه الصلاة والسلام تائهاً في صحراء شاسعة، في ليل مظلم، وبرد شديد، ومعه زوجه ليس وحده في الطريق، فإذا به يرى نوراً أمامه أو ناراً مشتعلة، فظن أنه إذا أتاها يحصل منها على قبس أو يعرف منها خبراً عن الطريق، فلما أتاها كان الوحي من الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه:١١ - ١٣].

فجاءته الرسالة من رب العالمين سبحانه، وجاءه الاصطفاء والاتباع والاختيار من الله حيث قال له ربه: أنا اخترتك فاستمع لوحينا، {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه:١٣]، ثم قال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه:١٤]، فبدأ بالتوحيد، فالله عز وجل هو الإله المعبود وحده لا شريك له، والإله: هو المستحق للعبادة سبحانه وتعالى، وإن كانوا زعموا بوجود آلهة غير الله سبحانه، وهي آلهة باطلة، ولذلك معنى كلمة التوحيد: أشهد أن لا إله إلا الله، أي: أقر وأستيقن من قلبي وأؤمن كأني أرى أمامي هذا الذي أقوله، فأنا أشهد بالحق كأني أعاين هذا الحق الذي أشهد به، أنه لا إله إلا الله، وأنه لا يستحق العبادة حقاً إلا الله سبحانه وتعالى، ولا معبود حق إلا الله، فالمعبودات الباطلة كثيرة، فهذا فرعون نصب نفسه إلهاً على قومه، واستخف بهم، وقال لهم: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، فأطاعوه فيما هو فيه.

فزعم فرعون أنه إله، بل تعدى وزعم أنه رب، حاشا لله أن يكون له شريك سبحانه وتعالى، فلما قال لهم ذلك، فهو إله من الآلهة الباطلة، والله عز وجل يذر الآلهة، ويقول سبحانه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:٤٣]، فالآلهة الباطلة كثيرة، ولكن الإله الحق المعبود واحد لا شريك له، فعندما تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، معناه: أنه لا يوجد إله حق إلا إله واحد سبحانه وتعالى؛ ولذلك أنت تعلم بوجود آلهة كثيرة كلها باطلة ولكن الإله الحق واحد؛ ولهذا لا يقال: أشهد أن لا إله إلا الله، بمعنى: أنه لا إله موجود إلا الله، هذا خطأ، فالآلهة الموجودة كثيرة، إنما التقدير الصحيح: لا إله حق إلا الله سبحانه وتعالى.

هذا معنى كلمة التوحيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأما أشهد أن محمداً رسول الله، يعني: هو رسول هذا الإله الحق الذي أرسله إلينا برسالة، وبشريعة من عنده سبحانه وتعالى، إذاً: نحن نعبد الإله العظيم وحده لا شريك له، عن طريق المتابعة للنبي صلوات الله وسلامه عليه، فهذا هو الطريق الوحيد الذي يوصل إلى الله عز وجل وإلى ما يرضيه سبحانه، وإلى كيفية إقامة شرعه عن طريق معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند ربه من كتابه وسنته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>