[تفسير قوله تعالى:(ففررت منكم لما خفتكم أن عبدت بني إسرائيل)]
قال الله تعالى:{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ}[الشعراء:٢١] أي: هربت خوفاً منكم، فموسى كان خائفاً من فرعون من أن يقتله، فالله عز وجل أراه ما يفزعه، ثم بعد ذلك طمأنه سبحانه حتى يعتاد على أنه يرى المواقف المفزعة فلا يفزع ولا يخاف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
قال:{فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا}[الشعراء:٢١] أي: رسالة من عنده سبحانه، {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:٢١] أي: جعلني واحداً من رسله.
ثم قال لفرعون:{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الشعراء:٢٢]، وهذه فيها معنيان أحدهما أجمل من الآخر: الأول: ((وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ)) كأنه إقرار بأن لك عليّ نعمة فعلاً؛ لأنك أنت الذي ربيتني عندك في البيت، و ((عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)) يعني: كان بنو إسرائيل كلهم عبيداً عندك، فأنت مننت علي وأنعمت علي وربيتني ولم تجعلني كغيري.
الثاني وهو أجمل من الأول: أنه قال له ذلك تبكيتاً له، يعني: هل هذه نعمة تمنها علي أن عبدت أهلي بني إسرائيل أكثر من ثلاثمائة ألف شخص في البلد فجعلتهم كلهم عبيداً بغير ذنب أساءوه فيه إليك، فسخرتهم وأتعبتهم وشققت عليهم، ثم تمنّ علي؟! فإن كنت مننت علي بأن تركتني حياً، فقتلك لأولاد بني إسرائيل ذنب فظيع ارتكبته في حقهم، فالمنة لله عز وجل حيث نجاني منك، فأنت لم تصنع معي شيئاً إلا أنك تمن علي أن ربيتني، فلو لم تقتل أولاد بني إسرائيل وتركتني لرباني أبواي، ومن الذي رباني عندك أليست أمي التي أرضعتني؟! فكأنه يقول: أنت مننت علي وتركتني حياً، وكنت تقتل أبناء بني إسرائيل، وهل هذه نعمة أن عبدت جميع أهلي من بني إسرائيل؟ إذاً: فهو يبكت فرعون بذلك، والله أعلم.
نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.