وقد ورد امتنان الله على عباده بخلق الأنعام لهم في آيات كثيرة، منها قوله عز وجل:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ}[يس:٧١] فالخلق خلق الله عز وجل، ثم ملكك أنت هذه الأنعام لتنظر بإمعان لنعمة الله عليك وتشكر ما تفضل به عليك سبحانه، قال تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}[النحل:٦٦]، والمتفكر في هذه النعم وعجائبها التي لا تنتهي يدرك عظيم قدرة الله تعالى، فهذا اللبن الذي يخرج من بهية الأنعام كان طعاماً تأكله، وبعد أن دخل معدتها وتحول للأمعاء، وهو شيء من الطعام الذي تفرز عليه عصارات الجسد، ومن ثم يستخلص منه القدر الكافي ويدخل الأمعاء الغليظة، ثم يقوم الدم في هذه الحالة بأخذ الشيء الخالص منه ليتحول إلى لبن، فبعد أن كان بين الفرث والدم إذا بالله عز وجل يخرج هذا اللبن ليسكب في الضرع، كما أنه لو أخذ في هذه الحالة لكان طعمه رديئاً جداً، ولكن الله عز وجل جعل غدداً معينة تفرز عليه مسوغات الطعم.
قال تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}[النحل:٦٦]، والترتيب في الآية ترتيب مقصود، فهذا اللبن الخالص قد استخلص من بين الفرث الذي في معدة البهيمة وبين الدم.
وقوله تعالى:{سَائِغًا}[النحل:٦٦] فيه أن عملية التسويغ لهذا اللبن في نهاية العمليات، فبعد أن دخل في الضرع وصار لبناً خالصاً جاءت عليه مسوغات الطعم فصار على الطعم الذي يشربه الإنسان ويستسيغه، وهذه من عجيب آيات الله عز وجل في خلقه.