قوله تعالى:(وكذب الذين من قبلهم) يعني: تكذيب هؤلاء ليس بجديد فالذين من قبلهم كذبوا وأعرضوا، قال تعالى:{وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}[سبأ:٤٥] يعني: هؤلاء القوم القرشيون المغرورون، كذبوا ما جئت به من عند الله، كذلك كذب الذين من قبلهم، ولكن الذين من قبلهم كانوا أقوى منهم أبداناً، وكانوا أكثر منهم عدداً، ومكنا لهم أشياء كثيرة لم نمكن لهؤلاء مثلها، وما بلغ هؤلاء معشار -أي: عشر- ما أوتي الذين من قبلهم، فقد آتيناهم أموالاً كثيرة، وأعطيناهم جنات وعيوناً وحدائق، أما هؤلاء فهم في الصحارى ليس فيها إلا القليل من هذه الأشياء، لكن السابقين أعطيناهم فكذبوا، وكانوا أغنياء أقوياء طوالاً في الأجسام عراضاً فيها، فهؤلاء أهلكناهم، ودمرناهم، وأغرقناهم، فكيف نصنع بهؤلاء الضعفاء؟ فإنهم لم يؤتوا معشار ما آتيناهم، قالوا: معشار بمعنى: العشر، يقال: العشر والعشير، وقيل: بل معشار بمعنى: عشر العشر والمعنى: آتينا هؤلاء القليل من الدنيا، ولم نؤتهم كما آتينا الذين من قبلهم، وقد كذب الذين من قبلهم فأهلكناهم، ألا يتعظ هؤلاء بالذين من قبلهم؟! قال:{فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}[سبأ:٤٥] إذا وقفت عليها قلت: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}[سبأ:٤٥] هذه قراءة الجمهور، وإذا وصلها الجمهور أيضاً فيقولون:{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ}[سبأ:٤٥ - ٤٦] بالكسر فيها، أما ورش عن نافع إذا وصلها قرأ:(فكيف كان نكيرِي قل إنما أعظكم بواحدة)، ويعقوب يثبت الياء وصلاً ووقفاً:(نكيري)، ومعناها: إنكاري على هؤلاء كيف كان؟ وكيف كانت عقوبتي لهؤلاء؟ وكيف كان توقيفي لهم؟ وكيف كان عذابي لهؤلاء؟ إذاً: الإنكار هو العقوبة من الله سبحانه وتعالى، فقد كان إنكاره شديداً، إذ أهلكهم الله سبحانه وتعالى فلم يبق منهم أحداً، كيف صنع بقوم نوح؟ كيف صنع بعاد؟ كيف صنع بثمود؟ كيف صنع بأصحاب الأيكة وبقوم لوط؟ كيف صنع بفرعون وهامان وجنودهما؟ فالله عز وجل أنكر عليهم ما هم فيه إنكاراً عظيماً بعقوبة منه سبحانه، جعلتهم أمام الأمم التي تليهم عظة ومثلاً من الأمثال.