قال الله عز وجل:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ}[الأحزاب:٧].
يذكرنا الله عز وجل بالميثاق الذي أخذه على النبيين، ولله عز وجل مواثيق كثيرة أخذها على خلقه، وأول هذه المواثيق:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}[الأعراف:١٧٢]، فربنا خلق آدم واستخرج من ظهر آدم من يكون من ذريته إلى يوم القيامة، فاستخرجهم قبل أن ننزل إلى هذه الدنيا، ثم أشهدهم على أنفسهم، فكل إنسان في نفسه ما يجعله يعرف ربه سبحانه وتعالى.
إذاً: ربنا أخذ علينا ميثاقاً جعله في صدورنا نسيه من نسيه وعمل به من عمل به، ويوم القيامة يتذكر الجميع هذا الميثاق الذي أخذه الله تبارك وتعالى عليه.
وبهذا الميثاق جعل الله عز وجل في قلب الإنسان الفطرة السليمة التي تهديه إلى ربه سبحانه، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:(كل مولود يولد على الفطرة، فأبوه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فالإنسان مولود على هذه الفطرة، وعلى الميثاق الأول يعرف ربه سبحانه، فإذا بالأبوين يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
وهنا ميثاق خاص بهؤلاء الأنبياء الخمسة الذين هم أولو العزم من الرسل، وكل الرسل من أولي العزم عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولكن اختص هؤلاء فميزهم وفضلهم على الباقين فقال سبحانه:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ}[الأحزاب:٧] وهذا عموم، ثم خص:{وَمِنْكَ}[الأحزاب:٧] يا محمد عليه الصلاة والسلام، {وَمِنْ نُوحٍ}[الأحزاب:٧] أبو الأنبياء بعد آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، {وَإِبْرَاهِيمَ}[الأحزاب:٧] أبو الأنبياء الذين جاءوا من بعده، {وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}[الأحزاب:٧] ميثاقاً مؤكداً أن كل نبي يصدق النبي الذي قبله، وينصر من وجد معه، ويبشرهم بنبينا صلوات الله وسلامه عليه، فإذا جاء نبينا صلى الله عليه وسلم صدق بكل الأنبياء والرسل السابقين، وعلمنا ذلك، وأخذ الله عليهم الميثاق الغليظ أن يقيموا شرع الله سبحانه، وأن يصدق بعضهم بعضاً، وأن ينصر بعضهم بعضاً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فالميثاق الذي يؤخذ على النبي هو مأخوذ أيضاً على أتباعه، فيلزمهم ما التزمه نبيهم عليه الصلاة والسلام.