للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رزق الله تعالى لعباده بقدر]

قال تعالى: {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ} [الشورى:٢٧]، وقال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩]، فالرزق قضاء وتقدير من الله سبحانه ينزل بحساب منه، هذا يستحق كذا، وذاك يستحق كذا، والأرض الفلانية تستحق المطر؛ لأن أهلها يستحقون، والأرض الفلانية لا تستحق؛ لأن أهلها لا يستحقون، والأرض الفلانية لا تستحق، لكن سينزل عليها المطر من أجل أن فيها بهائم، وفيها من خلق الله من يحتاج إلى ذلك أما أهلها فلا يستحقون وهكذا.

وقد جاء في الحديث في صحيح مسلم: (أن رجلاً كان يمر في صحراء إذ سمع صوتاً من السماء يقول: اسق حديقة فلان، فصار وراء السحابة، فسقت الحديقة، فإذا بالرجل ينادي صاحب الحديقة: يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: ولم؟ فقال: أخبرني ما اسمك، فأخبره ثم قال: لم سألتني عن اسمي؟ قال: سمعت منادياً ينادي من السحاب: اسق حديقة فلان، فأخبرني ما الذي تصنعه؟ قال: أما إذ أخبرتني عن ذلك فإني إذا جمعت ثمار هذه الحديقة فآكل أنا وعيالي ثلثه، وأرد فيها ثلثه، وأتصدق بثلثه).

فقد جعل لله حظاً في ماله مقداره ثلث المال، وإذا كان العبد يفعل ذلك فانظر كيف يصنع الله به ويعطيه من فضله هذا الخير وهذه البركة.

وقد ذكر الله تعالى أصحاب حديقة آخرين وهم أصحاب الجنة، كان أبوهم رجلاً صالحاً وكان يعطي الفقراء والمساكين ويتصدق، فلما توفي أبوهم قال الأبناء: إن أبانا كان مبذراً، وكان سفيهاً، كان ينفق المال ويعطي الفقراء، وأي حظ للفقراء في هذه الحديقة؟ وقد ذكرنا أن الإنسان قد يعطيه الله عز وجل فيطغى، وهؤلاء وجدوا الحديقة فيها ثمار كثيرة جداً، والفقراء يشاركونهم فيها، فقال الله عنهم: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم:١٧ - ١٨]، فحلفوا أن يحصدوها في الصباح فإذا جاء الفقراء وقت الظهر لا يجدون شيئاً.

ولم يستثنوا ولم يقولوا: إن شاء الله نصنع كذا، لكن أقسموا وهم قادرون، قال تعالى: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} [القلم:٢٥]، (على حرد) أي: على انفراد عن الفقراء، وهم في أنفسهم يظنون أنهم قادرون على ذلك.

قال تعالى: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم:١٩ - ٢٠]، حصدت قبل أن يحصدوها، وأخذها الله قبل أن يأخذوها، وأرادوا حرمان الفقراء فحرمهم الله، قال تعالى واصفاً حالهم: {فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ} [القلم:٢٣ - ٢٦]، تائهون، {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم:٢٧ - ٢٨]، أي: أما قلت لكم: إياكم وهذا العمل السيئ، نزهوا ربكم سبحانه أن تتعاملوا معه معاملة اللئام، ألم أحذركم من ذلك؟ تذكروا: {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ} [القلم:٢٩ - ٣٠]، كل واحد يقول للآخر: أنت السبب، {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} [القلم:٣١]، أي: قد طغينا أن وجدنا هذا الرزق العظيم فأحببنا الانفراد به، وظننا أنه من كدنا ومن تعبنا، ولمنا أبانا الذي توفي على ما كان ينفقه على الفقراء، فأصبحنا نحن الملومين وصرنا نحن والفقراء سواء.

فحرمهم الله عز وجل بسوء صنيعهم، وليس كل النفوس واحدة، فليس كل النفوس تشكر الله سبحانه وتعالى، وتخرج لله سبحانه وتعالى طمعاً فيما عند الله، إنما الغالب في الإنسان الشح والبخل بما أعطاه الله، ولا يعطي الحقوق لأصحابها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>