يقول الله سبحانه وتعالى:{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}[النمل:٦٠]، (من السماء) أي: من السحاب الذي في السماء نزل الماء على الأرض، وقوله سبحانه:{أَمَّنْ خَلَقَ}[النمل:٦٠]، أفرد فكان المعنى: من الذي خلق؟ الله سبحانه، {وَأَنزَلَ لَكُمْ}[النمل:٦٠]، وأفرد هنا أيضاً، فالضمير في الفعلين عائد على مفرد:{وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا}[النمل:٦٠]، قوله:(فأنبتنا) أما هنا فعبر بنون الجمع، إذ أنه في الأشياء التي لا يدعيها الإنسان لا يحتاج إلى أن يذكر له ضمير الجمع والعظمة، فالإنسان مقر ومعترف.
أما لو أن الإنسان يقول: أنا أفعل، فيقول الله سبحانه: نحن نفعل، فيعبر بنون العظمة حتى يعرف الإنسان حقارة نفسه، وأنه لا شيء، وقد يدعي الإنسان فيقول: أنا الذي آتي بالبذرة وأضعها في الأرض، وأصب عليها الماء، وأنا الذي أسمد الأرض وأرعى الحب، وأنا أراعي هذا إلى أن ينبت، فالله عز وجل يقول:{فَأَنْبَتْنَا}[النمل:٦٠]، نحن الذين نفعل ذلك، ولست أنت الذي تقدر على ذلك.
فنحن ألهمناك الصواب، وعلمناك كيف تصنع ذلك، وسواء بذرت أم لم تبذر فما شاءه الله عز وجل كان، أو فعلت أنت أو فعل غيرك، فالله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يخلق ويرزق، فعبر بنون الجمع هنا لبيان عظمته سبحانه وتعالى، وحقارة خلقه:{فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ}[النمل:٦٠] والحديقة: البستان المحدق بحائط، أي: الذي عليه سور، وقوله سبحانه:{ذَاتَ بَهْجَةٍ}[النمل:٦٠]، أي: ذات منظر حسن، إذ أن الإنسان حين ينظر إلى الحديقة تعجبه فيسر بمنظرها الجميل الذي جعله الله عز وجل للإنسان كما جعل فيها طعامه وشرابه، وجعله ينظر إليها فيبتهج بمنظرها، قال:{حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ}[النمل:٦٠].