للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت)]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا * إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [الأحزاب:٥٣ - ٥٥].

في هذه الآيات من سورة الأحزاب يأمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بمراعاة الأدب العظيم مع النبي صلوات الله وسلامه عليه، فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب:٥٣] وثبت في نزول هذه الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها أولم، وكانت النساء إلى ذلك الحين لا يحتجبن من الرجال، وكان الرجال يدخلون مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته، وتكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا البيت، وبيته هو غرفة، فكان الضيف عندما يدخل معه صلى الله عليه وسلم فالمرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تولي ظهرها للضيف ووجهها للحائط.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أولم على السيدة زينب رضي الله عنها ودخل الناس يأكلون ووجهها للحائط وظهرها للناس، والناس يدخلون فيأكلون وينصرفون، ومكث مجموعة منهم أكلوا ولم ينصرفوا، فالنبي صلى الله عليه وسلم ساءه هذا الشيء، فخرج صلى الله عليه وسلم ورجع لعلهم يفهمون، فلم ينصرفوا وبقوا يؤانس بعضهم بعضاً بالحديث، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ويخرج، ففي النهاية انتبهوا فخرجوا، وأنزل الله عز وجل هذه الآية يؤدب المؤمنين أن هذا لا ينبغي أبداً، وعلى الإنسان ألا يكون ضيفاً ثقيلاً على من ينزل عليه، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب:٥٣].

إذاً: الأصل حرمة دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل استثنى حالة واحدة وهي أن يدعوكم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته، واستثنى من هذا الاستثناء أنه حتى ولو دعاكم إلى بيته لا تدخلوا إلا في وقت نضج الطعام فقط، لتأكلوا ثم تنصرفوا، فإذا طعمتم لا يجوز لكم الجلوس مستأنسين لحديث، بل انصرفوا.

وهذا أدب عظيم للضيف في كيفية التعامل مع صاحب البيت، وخاصة النبي صلوات الله وسلامه عليه، فيقول الله تبارك وتعالى للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} [الأحزاب:٥٣].

قوله: (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ)، يعني: غير منتظرين إناه، والمقصود هنا: وقت نضجه، فإذا دعا رجل إنساناً إلى طعام ليتغدى عنده فلا يذهب من الصبح وينتظر مائدة الأكل، بل لا يذهب حتى ينضج الطبيخ، فإذا أكل انصرف.

<<  <  ج:
ص:  >  >>