[تفسير قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:٥٦].
لما وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنين الذين يعبدون الله سبحانه ولا يشركون به شيئاً أن يمكن لهم في الأرض، وأن يستخلفهم، وأن يبدل خوفهم أمناً، أمرهم بعد ذلك بأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويطيعوا الرسول صلوات الله وسلامه عليه؛ لعلهم يرحمون، فالوعد من الله عز وجل بالتمكين في الأرض، والوعد من الله سبحانه وتعالى بالرحمة في الدنيا وفي الآخرة، إذا كان المؤمنون على صلاح وعلى حسن عبادة لرب العالمين، فإذا فعلوا ذلك استحقوا الاستخلاف والتمكين، وأن يؤمنهم الله عز وجل في الدنيا، وكذلك استحقوا أن يرحمهم الله عز وجل يوم القيامة.
فهنا استحقاق الرحمة كان بما قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:٥٦]، فخصص عبادات ثم عمم الطاعة، فهنا خصص العبادة البدنية والعبادة المالية بالذكر، فالعبادة البدنية: الصَّلاة، وهي أفضل العبادات البدنية، والعبادة المالية: الزكاة، فعلى صاحب المال أن يؤدي ما فرضه الله عز وجل عليه، فإذا كان عنده نصاب من أي نوع من أنواع الأموال التي فيها الزكاة وحال عليه الحول وجب عليه أن يؤدي زكاة ماله.
قوله: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ))، إن إقامة الصلاة ليست مجرد الأمر بالصلاة، وإنما هي أن تستقيم فيها، ولا تتلهى عنها، ولا تسهو فيها، بل تقيم الصلاة على النحو الذي أمرك به ربك سبحانه، والذي وضحه لك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب).
وكذلك أمر في الصلاة بقوله: (اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)، فيطمئن الإنسان في صلاته، وليكن مقبلاً على الله سبحانه فيها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صل صلاة مودع) أي: لا يظن أن يصلي غيرها، فأنت تقوم في الصلاة على الهيئة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وبالخشوع الذي أمرت به، فإذا أقمت الصلاة كما أُمرت نهتك عن الفحشاء وعن المنكر، وكذلك الزكاة تبعد عنك شح النفس الذي خلق في الإنسان.
قوله: ((وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))، وقد ذكر ربنا سبحانه في غير هذه الآية: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:٥٩]، وقال في آية أخرى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:١٣٢]، وقال في الآية الأخرى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠]، فطاعته صلى الله عليه وسلم طاعة لله سبحانه وتعالى، فأمر وقال: ((وأَقِيمُوا الصَّلاةَ)) أي: على الهيئة التي أمرتم بها، ((وَآتُوا الزَّكَاةَ)) أي: على ما فرض الله عز وجل عليكم، ((وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)) أي: فيما يأمركم به عليه الصلاة والسلام، وكل ما نهاكم عنه تنزجرون عنه.
قوله: ((لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) هذا وعد من الله عز وجل، وهو لا يخلف الميعاد، فإذا قال: لعلك ترحم فيقيناً سيرحمك، لكن إذا أتيت بهذا الشرط الذي ذكره لك، فرحمة الله عز وجل عظيمة وواسعة، وأخبر عنها بقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف:١٥٦]، هذا وعده سبحانه أنه يكتب هذه الرحمة {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [الأعراف:١٥٦ - ١٥٧] أي: بكل معروف، {وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ} [الأعراف:١٥٧] يعني: عن كل منكر، {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:١٥٧].
إذاً: هنا ربنا سبحانه جعل المطيعين من المؤمنين هم المرحومون وأهل الرحمة، وهم المفلحون يوم القيامة.