قال الله تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية:٢١] أي: اضرب عن هؤلاء الكفار، وعما يقولونه لك، وانظر في حالهم، بل أحسبوا، أي: أحس وظن وزعم هؤلاء وقد اجترحوا السيئات، أي: اكتسبوها واقترفوها من الجارحة، والجارحة الكاسبة هي: جوارح الإنسان كاليدين ونحوها، التي يجترح بها، أي: يمسك ويأخذ ويكسب، فاجترح بمعنى: اكتسب واقترف.
فهؤلاء الكفار الذين اكتسبوا السيئات فوقعوا في الشرك بالله سبحانه، وظلموا العباد، هل حسبوا وظنوا وزعموا:((أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ))؟ أي: أن نجعلهم كالذين صدقوا بكتابنا وبرسولنا عليه الصلاة والسلام، وعملوا بكلام رب العالمين متبعين له سبحانه، فهل نجعل هؤلاء كهؤلاء؟ ((سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ)) أي: نجعلهم سواء، فهي منصوبة على ذلك؛ لأن المفعول الثاني لنجعل (أن نجعلهم) سواء، وهذه قراءة حفص عن عاصم وحمزة، والكسائي، وخلف وقرأ باقي القراء أن نجعلهم:((سَوَاءٌ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ)) على الابتداء والخبر يعني: ((مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ)) سواء فنجعلهم كذلك، أي: هل ظنوا أن نجعلهم مثل ما كانوا في الحياة الدنيا ثم يموتون ولا بعث؟ هل يظنون ذلك؟ وهل يظلمون في الدنيا، ولا ينصرون يوم القيامة؟ كلا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:٤٦] أي: لا نفعل ذلك أبداً.
بل لا بد من بعث، ولا بد من جزاء وحساب، ولا بد من عقاب لهؤلاء الكفرة والمجرمين والظلمة.
قال تعالى:{ألا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية:٢١] أي: ساء ما يزعمون، وساء ما يقضون به، من أنهم يحكمون ويقولون: إننا نحيا ونموت وانتهى الأمر على ذلك، فساء قولهم قولاً وساء حكمهم حكماً، ((سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)).
بل إن الله عز وجل الذي خلق السموات والأرض بالحق قادر على أن يحيي هذه العظام بعد موتها، وأن يجازي أهلها، ولذلك قال:((وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ))، فإذا كان خلق السموات بالحق، وخلق الأرض بالحق، فهل يخلق العباد باطلاً، ويجعلهم عبثاً وسدىً لا يبعثون؟ قال:((وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ))، فلا بد من ذلك، فكل امرئ يجزئ يوم القيامة بما كسب، ((وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ))، كما قال تعالى:{لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:٤٩].
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.