[تفسير قوله تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق)]
قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:٦]، كرر الله: (ذلك) ثلاث مرات؛ لبيان قدرة الله سبحانه، أي: ذلك الذي فعلناه، وذلك الذي قصصناه عليك؛ لتعلم قدرتنا العظيمة على الجميع، نعاقب من نشاء، ونعفو عما نشاء، ونبدل الليل والنهار، وكذلك نبدل القلوب ونغير ما نشاء من أمر الناس، فمنهم كافر، ومنهم مؤمن، ونسمع ونرى كل شيء، وذلك من الله عز وجل بقدرته العظيمة الباهرة؛ لأنه هو الحق سبحانه، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، فيذهب الله عز وجل الباطل كما يذهب الليل ويأتي بالحق كما يأتينا بالضوء وبالنهار.
قال تعالى: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:٦٢] فيها قراءتان: (وأن ما يدعون) قراءة الجمهور، وقراءة نافع، وأبي جعفر، وابن عامر، وشعبة عن عاصم: ((وَأَنَّ مَا تَدْعُون))؛ فالخطاب للمشركين: وأن ما تدعون من دون الله سبحانه هو الباطل، فهم يدعون ما لا ينفعهم، ولا يضرهم، وذلك هو الضلال البعيد.
قال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:٦٢] فذكر هنا اسمين له سبحانه، العلي أي: المتعالي الذي لا شيء مثله سبحانه، فهو عالٍ على كل شيء بقدرته سبحانه، عالٍ عن الأشباه والأنداد، مقدس عما يقوله الظالمون من صفات لا تليق بجلاله سبحانه وتعالى.
العالي فوق خلقه فله العلو: علو الكمال، وعلو الذات، وعلو القهر، وعلو الصفات.
وهو يملك كل شيء، ويدبر أمر كل شيء، عالٍ عن أن يصل إليه دنس العباد وأذاهم.
وهو الكبير سبحانه، وهي صفة أخرى من صفاته العظيمة.
ولما ذكر الليل والنهار بأشياء عظيمة، وذكر لنا أن الله سبحانه هو الحق، وأن ما يدعون من دونه باطل هزيل سيضمحل، أخبر أنه هو وحده الكبير سبحانه، فمهما رأى الإنسان من شيء كبير من الأرض أو من السماء أو من الأجرام أو من الجبال، بل أي شيء يراه في نفسه عظيماً كبيراً؛ فالله أعظم وأكبر وأجل منه.
فلذلك حين يعلو الإنسان فوق جبل يقول: الله أكبر، وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا نزلت من الجبل إلى الأرض قلت: سبحان الله.
وهذا مناسب للحال فإذا ارتفع الإنسان قد يظن أنه علا وبغى فيقول: الله أكبر من كل شيء.
وإذا نزل الإنسان يستشعر التواضع في النزول والانخفاض فيقول: سبحان الله، أي: لا ينحط أبداً سبحانه وتعالى، ولا ينزل نزولاً يدل على نقص، بل نزوله إلى السماء بكماله، وجلاله وقدرته وهو العلي الكبير، لا يعتريه نقص، ولا شيء مما يعتري الخلق.
قوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:٢٣] أي: الموصوف بالعظمة والجلال وكبر الشأن.
وقيل: الكبير من الكبرياء فله الكبرياء، والكبرياء: الكامل في ذاته سبحانه، وله الوجود العظيم الذي لا يشبهه شيء من خلقه.