وقد نزلت هذه الآية في قصة الإفك وفيما أشاعه أهل الإفك من الكلام عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ}[النور:١٩]، والمحبة أمر قلبي، فالذي يحب ويتمنى أن تشيع الفاحشة بين الناس له {عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}[النور:١٩] فكيف بالذي يفعلها؟ ومن إشاعة الفاحشة التكلم بها، فكثرة الكلام في الزنا يجعل الناس يتهاونون في أمره، فيسكت كل إنسان عما يراه، فلا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر.
ولذلك كان من أول الأشياء في الكف عن ذلك إسكات ألسنة الناس عن الكلام في ذلك، فنهي أن يتكلم الإنسان في عرض أخيه المسلم ويقول: رأيت فلاناً يزني أو كذا، وشدد الله سبحانه وتعالى في ذلك فاشترط لقبول هذا القول أربعة شهود، ((فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكذابون)) أي: وهم الفسقة الذين ترد شهادتهم.
وقد قال العلماء في قول الله عز وجل:{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}[النور:٤] أنه يبقى مدة العمر إلى أن يموت لا تقبل شهادته، إلا أن يتوب إلى الله عز وجل، كما قال سبحانه وتعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور:٥]، فقوله:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}[النور:٥] يعني: من هذا الذي وقعوا فيه، بأن يكذبوا أنفسهم في هذا الذي قالوه، ويرجعوا عن هذا الذي فعلوه أو قالوه، والله غفور رحيم.