للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (وقال الملأ من قومه إنكم إذاً لخاسرون)

قال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون:٣٣].

الملأ: هم علية القوم في الناس، و (الملأ) مأخوذة من ملء الشيء، ملأ الإناء يمتلئ امتلاءً، فهؤلاء الملأ كأنهم الذين يملئون العيون، ويملئون أماكنهم، ويكون في قلوب الناس منهم هيبة لمكانهم ومكانتهم، ولكونهم كبار القوم.

قوله: ((وَقَالَ الْمَلَأُ)) أي: الكبار من القوم، ((مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ)) أي: صفاتهم أنهم كفار وأنهم مكذبون بيوم الدين، وبلقاء رب العالمين سبحانه، ((وَأَتْرَفْنَاهُمْ في الحياة الدنيا)) أي: والحال أننا قد أترفناهم وأعطيناهم الرغد من العيش، والخصوبة والمال الوفير الكثير، والنعمة التي يتنعمون بها، فهؤلاء لما نظروا إلى أنهم مترفون وأنهم الكبار من القوم اغتروا بذلك، فقالوا عن نبيهم صلوات الله وسلامه عليه: ((مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي: لا يوجد إلا هذا الذي يأتيكم ليدعوكم إلى الله، وهو بشر مثلكم، ((يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ)) أي: يأكل ويشرب مثلكم، وإذا كان يأكل ويشرب فإنه سيخرج هذا الشيء ويتبول ويتغوط، فلا ميزة له علينا.

فهؤلاء لم ينظروا إلى الحجة والدليل، وإنما نظروا إلى الهيئة التي أمامهم، وقالوا: هذا إنسان مثلنا فكيف يكون أحسن منا؟! فهو يأكل ونحن نأكل ويشرب ونحن نشرب، ويقضي حاجته ونحن مثله، فما الذي فضل به علينا؟ فهم لم يسمعوا لما يقول؛ لأن الكفر يدفع الإنسان للعمى وعدم النظر في حجة من يتكلم، والمكانة والرياسة والسيادة للإنسان كل ذلك يجعله يعمى عن أن ينظر إلى الحجة، أو يخاف على المكان الذي هو فيه، فيقول: لا داعي للنظر في دليل وفي حجة، فتجد الواحد منهم يرد ويقول: إنك لا تفهم شيئاً، وتقول كلاماً مثلنا.

قالوا: ((مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ))، وأصلها (ويشرب مما تشربون منه) أي: يشرب نفس الشراب الذي تشربونه.

قال تعالى حاكياً عن قوم هود: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [المؤمنون:٣٤]، انظر هنا إلى الكلام الذي ليس له معنى! نقول: إذا كانت طاعة البشر فيها الخسران، فهؤلاء الذين يطيعونكم أنتم، أنتم بشر وهم بشر، فلماذا طاعة نبيكم فيها الخسران وطاعتكم أنتم ليست فيها الخسران؟! إذاً: إذا احتججتم عليهم بهذا الشيء -وهو أنكم إذا اتبعتم بشراً فإنكم خاسرون- فكذلك أنتم بشر إذا اتبعوكم فهم خاسرون، ولكن العمى عن دين الله رب العالمين يجعل الإنسان يهرف بما لا يعرف، ويتكلم بما لا يفهمه هو ولا يقتنع بما يقول، ولكنهم يظنونها حجة يقولونها فقالوها: ((وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ)) فهو من البشر، ولكنه لا يأمرهم بطاعة نفسه، وإنما يأمرهم بطاعة الله رب العالمين سبحانه، فالطاعة لله، فلو دروا ما يقولون لعلموا أن هذا وإن كان بشراً فإنه لا يدعو إلى طاعة نفسه، ولكن يدعو إلى طاعة رب العالمين، بما جاء به من عند ربه.

إذاً: طاعة الله فيها الفلاح لو كان يعقلون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>