ويبين الله سبحانه سبب هذا التجاوز وهذا الكرم، فيقول الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب:٢٤]، من صفات الله سبحانه، ومن أسمائه الحسنى: أنه الغفور وأنه الرحيم، فهو يتوب على خلقه؛ لأن التوبة بيده سبحانه، ويرزق من يشاء توبة نصوحاً ثم يتوب عليه، ولا يسأل عما يفعل سبحانه، فهو يتوب على من يشاء بفضله ورحمته، فنحن نفرح بكرمه، ونفرح بتوبته على عباده سبحانه وتعالى، وانظروا كيف أنه يدخل الله عز وجل الجنة رجلين أحدهما قاتل لصاحبه، ولا يسأل عما يفعل سبحانه وتعالى.
فهذا مؤمن يخرج للجهاد في سبيل الله عز وجل فيقتله الكافر، ثم أدركت الكافر رحمة رب العالمين سبحانه، فأسلم ومات على الإسلام فدخل الاثنان -القاتل والمقتول- الجنة برحمة منه سبحانه، يغفر لمن يشاء ويتوب على من يشاء، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وقوله تعالى:{كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب:٢٤] هذا التعبير الوحيد الذي يفيد أن الغفران والرحمة صفتان من صفاته سبحانه كانت وما زالت دائمة، سأل رجل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن ذلك، فقال: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب:٢٤]، يعني: كان وانتهى على ذلك في الماضي؟ فتعجب ابن عباس من غلط هذا الإنسان ومن جهله باللغة العربية، فأخبره أن معنى:{كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب:٢٤]: أنه كان ولا يزال على ذلك أبداً سبحانه وتعالى، ولا ينتهي منه ذلك، فهو في الماضي غفور رحيم، والآن غفور رحيم، ويوم الدين غفور رحيم، فهي صفة دائمة أبدية له سبحانه وتعالى، يعبر عنها بهذا التعبير الذي يفيد جميع الأزمان: الماضي والحاضر والمستقبل.
وقوله:{إِنَّ اللَّهَ}[الأحزاب:٢٤]، (إن)، للتحقيق ولتأكيد ذلك، وقوله:{غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب:٢٤] صفة ثابتة لازمة له سبحانه وتعالى، وكذلك جميع صفاته سبحانه لازمة له عز وجل لا تزول منه أبداً.
والغفر: المحو والستر، فالله يغفر، أي: يمحو الذنب ويستره، رحيم: يرحم العباد سبحانه وتعالى في الدنيا وفي الآخرة، وصفة الرحيم لله عز وجل تختص بالمؤمنين، قال تعالى:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب:٤٣] يرحم المؤمنين، هو الرحيم وهو الرحمن، والرحمن صفة عظيمة لجميع خلقه سبحانه، وهي رحمة دائمة، والرحيم: رحمة تختص بالمؤمنين فيرحمهم يوم القيامة سبحانه وتعالى، ولا يغفر لمن مات على الكفر والشرك بالله عز وجل.