تفسير قوله تعالى: (واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية البلاغ المبين)
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين: قال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ * قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ * وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ * يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ * وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ * وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} [يس:١٣ - ٣٦].
هذه القصة في سورة يس يذكر الله سبحانه وتعالى فيها كيف كذب السابقون أنبياءهم ورسلهم عليهم الصلاة والسلام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس أول من كذب من الرسل، ولا قومه أول من كذبوا من الأقوام، بل كُذب الرسل السابقون، وصبروا على ما كذبوا وأوذوا، حتى جاء أمر الله سبحانه وتعالى.
وفي هذه القصة يخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [يس:١٣]، أي: اضرب لهم مثالاً من أمثلة صنيعنا بالأمم المكذبة.
فهذه قرية من القرى، أرسلنا إليها رسلنا، قال: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس:١٤]، فالله سبحانه وتعالى أرسل رسولين من حواري المسيح عيسى بن مريم على نبينا وعليه الصلاة والسلام إلى قرية أنطاكية في شمال سوريا، يدعوان القوم إلى الله سبحانه.
قال سبحانه: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس:١٤] أي: لما كُذب الرسولان كما قدمنا قبل ذلك.
والتعزيز بمعنى: الشد، أي: شد وقوى الاثنين بالثالث، وجرى الحوار بينهم: {فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} [يس:١٤ - ١٥]، وعادة الأمم التكذيب وعدم النظر في الآيات والمعجزات التي جاء بها الرسل؛ فكذبوا الثلاثة.
قالت الرسل: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} [يس:١٤]، {وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [يس:١٧]، أي: فنحن رسل الله إليكم، ولا نملك لكم إلا أن ندعوكم إلى الله والهداية بيد الله.
فتشاءم القوم بالرسل كعادة أهل الكبر والغرور، فنسبوا إليهم كل مصيبة تنزل عليهم، فهؤلاء لما منع عنهم المطر قالوا: أنتم السبب.
قال الرسل: هذا الشؤم الذي تزعمونه معلق بكم، وشؤمكم الحقيقي أعمالكم الخبيثة، وبعدكم عن الله سبحانه وتعالى.